لم يحدث أن زرتُ "عدن "، بيد أني أعرفها جيدا.. مذ 1982 وأنا على علاقة ثقافية وطيدة بها.. كنت حينذاك طالبًا في الصف الثالث الثانوي بجزيرة فرسان.. كنت أصغي إلى إذاعة عدن بإدمان .. مساء كل خميس أتابع مجريات أمسية شعرية فارهة.. مثل أمسية الجواهري التي أتذكر منها : "أنتِ يا مُرّةَ الطباع ِ ويا حلوةَ الجنى/ بأبي أنتِ لا أبي لكِ كفؤٌ ولا أنا".. وأمسية سعدي يوسف التي قرأ فيها قصيدته العظيمة "الأحفاد "، وأمسية محمود درويش التي قدمه فيها شاعران معا جيلي عبدالرحمن، وسعدي يوسف، (نشرتُ لها تغطية صحفية وافية في صحيفة "عكاظ " في حينها) ..وكنت أقوم بتسجيل كل أمسية على شريط كاسيت.. من أمسية درويش مثلا لم تغب عني عبارته الشهيرة : "عدن عاصمة الأمل العربي " .. لقد قرأتُ (عدن) بقلب عاشق في ديوانين لسعدي: "يوميات الجنوب، يوميات الجنون"، و"خذ وردة الثلج، خذ القيروانية"، كما قرأتها في كتاب يومياته "التفكير بصوت هادئ " ..وما زلت أتذكر قصيدته العميقة المؤثرة : "وداعًا عدن" التي كتبها بعد أحداث حرب الرفاق في العام 1986 التي أبكتني وأنا طالب في الجامعة.. كما إنني عشقتُ (عدن) والجنوب في صوت الفنان الكبير أحمد قاسم، وفي تجليات المرشدي :"أخضر جهيش مليان" و"بكّر غبش وعاد الصباح مابنش " التي كتب كلماتها عبدالفتاح إسماعيل ووردت في ديوانه "نجمة تقود البحر " الصادر عن دار المدى وكتب له أدونيس مقدمة وارفة، وفي أغنيات الرائد الكبير محمد سعد عبدالله، وفي ترانيم فرقة "الطريق" العراقية التي لاذت بعدن ذات قمع... ولا زلت أترنم حتى هذه اللحظة بما قاله سعدي يوسف عنها، هكذا:"كأني أصطفي عدنًا بجيب قميصيَ الصيفي" .. ولا زلتُ أحتفظ بأشرطة الكاسيت حتى يومنا هذا كمن يحتفظ في قلبه عميقا بصوت حبيبته..

* صحفي وشاعر سعودي