> الرياض "الأيام" وكالات:

​دشنت المملكة العربية السعودية أول سرية من منظومة "ثاد" الأميركية المتقدمة للدفاع الجوي الصاروخي، في خطوة تعزز بشكل كبير قدرات المملكة الدفاعية، لحماية أجوائها ومنشآتها الحيوية من التهديدات البالستية.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس" مساء الأربعاء أن هذا التدشين جاء بعد استكمال شامل لعمليات الاختبار والفحص والتشغيل للمنظومة، بالإضافة إلى تنفيذ تدريب ميداني مكثف للمنسوبين داخل البلاد، مما يؤكد جاهزية القوات السعودية للتعامل مع أحدث التقنيات الدفاعية.

وجرى حفل التدشين الرسمي في معهد قوات الدفاع الجوي بمحافظة جدة، بحضور قائد قوات الدفاع الجوي الفريق الركن مزيد بن سليمان العمرو.

وخلال الحفل، سلم العمرو علم السرية إلى قائد مجموعة الدفاع الجوي الأولى، إيذانًا بدخولها الخدمة الرسمية ضمن منظومات قوات الدفاع الجوي السعودية.

وهذا الإجراء الرمزي والعملي يشير إلى اكتمال مرحلة مهمة في مشروع "ثاد" الدفاعي، الذي يهدف إلى تعزيز جاهزية قوات الدفاع الجوي، ورفع قدراتها في حماية الأجواء والمنشآت الحيوية، وفق الوكالة.

وتتويجا لهذه المرحلة، كانت قوات الدفاع الجوي قد خرّجت في وقت سابق السريتين الأولى والثانية من نظام "ثاد"، وذلك بعد إتمام منسوبيها دورات التدريب الفردي المتخصص في قاعدة فورت بليس بولاية تكساس الأميركية.

وهذا التعاون مع الجانب الأميركي في التدريب والتأهيل يعكس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مجال الدفاع والأمن، ويضمن امتلاك الكوادر السعودية للمهارات اللازمة لتشغيل وصيانة هذه المنظومة المعقدة بكفاءة عالية.


وفي عام 2017 وقعت الرياض اتفاقية دفاعية مع واشنطن للحصول على سبع بطاريات من نظام "ثاد" للدفاع الصاروخي، تشمل 44 منصة إطلاق، و360 صاروخا اعتراضيا، إضافة إلى 7 رادارات متطورة من طراز AN/TPY-2، و16 وحدة متنقلة لمكافحة الحرائق، وذلك بقيمة إجمالية تصل إلى 15 مليار دولار.

وتحتاج بطارية "ثاد" عادة إلى حوالي 100 جندي لتشغيلها. وتحتوي على ست منصات إطلاق محمولة على شاحنات مع ثمانية صواريخ اعتراضية على كل منصة ورادار قوي.

وقبل نحو شهرين، أعلنت شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية، المصنعة للنظام الصاروخي، عن إنتاج أول دفعة من مكونات منصة إطلاق منظومة "ثاد"، وذلك بالتعاون مع الشركة العربية الدولية للإنشاءات الحديدية في السعودية، ما يعزز من توطين الصناعات العسكرية داخل المملكة.

وتُعد منظومة "ثاد" نظام دفاع جوي صاروخي عالي القدرة، يمكنه اعتراض الصواريخ البالستية قصيرة ومتوسطة المدى في ارتفاعات قصوى، ويعود تصميمها إلى عام 1990، وهي نتاج تعاون وثيق بين وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وشركة "لوكهيد مارتن" العملاقة في مجال الصناعات الدفاعية.

وتتميز "ثاد" بقدرتها على توفير طبقة دفاعية عليا ضد الصواريخ القادمة، مما يكمل الأنظمة الدفاعية الأخرى ويخلق مظلة حماية متكاملة.

ويأتي تدشين منظومة "ثاد" في السعودية في ظل المتغيرات الأمنية الإقليمية، سواء في اليمن أو الخليج العربي أو على مستوى التهديدات الصاروخية والطائرات المسيّرة.

يأتي تدشين منظومة "ثاد" في السعودية في ظل المتغيرات الأمنية الإقليمية، سواء في اليمن أو الخليج العربي أو على مستوى التهديدات الصاروخية والطائرات المسيّرة.

 ففي السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة هجمات متكررة بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، مما أبرز الحاجة الماسة لتعزيز الدفاعات الجوية. يمثل امتلاك "ثاد" بالنسبة للسعودية قفزة نوعية في قدراتها الدفاعية، ويمنحها تفوقا استراتيجيا في مواجهة أي اعتداءات محتملة من جهات مختلفة.

وتعتبر السعودية أن امتلاك قدرات عسكرية متطورة لا يخدم فقط هدف الردع، بل يمنحها كذلك ورقة قوة في علاقاتها الدولية، سواء على طاولة التفاوض في ملفات الطاقة والاقتصاد، أو في صياغة التوازنات الجديدة داخل منطقة تعيش تحولات كبرى بعد تراجع النفوذ الأميركي التقليدي، وصعود أدوار كل من الصين وروسيا كلاعبين أمنيين واقتصاديين.

ولا يمكن فصل الإنفاق الدفاعي عن المسار العام لتكريس السعودية كقوة إقليمية ذات عمق استراتيجي، تسعى إلى إعادة تعريف الأمن الخليجي بمفردات جديدة، تتجاوز نماذج التحالفات التقليدية نحو نظام إقليمي أكثر اعتمادًا على القدرات الذاتية.

وهذا التدشين يُظهر أيضا التزام السعودية بتحديث قواتها المسلحة واعتمادها على أحدث التقنيات العسكرية المتاحة عالميا، في إطار رؤيتها الاستراتيجية لتعزيز الأمن القومي. كما يؤكد على استمرار الشراكة الأمنية القوية بين الرياض وواشنطن، والتي تُعتبر حجر الزاوية في استقرار المنطقة. هذا التطور قد يعيد تشكيل موازين القوى الدفاعية في الشرق الأوسط، ويرسل رسالة واضحة حول قدرة السعودية على حماية أراضيها ومنشآتها الحيوية.