الخميس, 17 أبريل 2025
918
ذات مرة استوقفني أحد أبناء الجنوب المغتربين منذ سنوات طويلة، وسألني باستغراب عن الكوادر الجنوبية السابقة أو المعروفة وسبب اختفائها عن تولي مهام الإدارة في عدن والجنوب؟!. وأضاف هل ماتوا جميعًا أم هاجروا أم أتت سفينة وأخذتهم إلى حيث لا نعلم؟!.
وجدتُ نفسي، لدي ذات السؤال!. فعلًا أين ذهبت كوادر دولة الجنوب السابقة - خاصة المتوسطة أو بلغة الإدارة التكنوقراط - التي تقول السردية القائمة أنها تريد استعادتها ولكن يبدو من دون هؤلاء الكوادر!.
فإذا فرضنا أن الوحدة قامت في 1990 وكان لدينا حينها كادر وظيفي متخصص ومؤهل يبلغ من العمر بين 25- 30 عامًا؛ ووفقًا لذلك فإن متوسط أعمارهم حاليًا في أوائل الستينيات. وهذا عُمر يمثل قمة النضوج والخبرة المتراكمة. فأين هم؟.
الإجابة ببساطة، وبدون تعقيد هم في البيوت، هم في المهاجر، تم إزاحتهم وإقصاءهم مرتين المرة الأولى بفعل الغازي الخارجي في 1994، والمرة الثانية الأكثر ألمًا بعد تحرير الجنوب في 2015، والمستمرة حتى يومنا هذا.
ليس من المعقول، أن يتم القفز على استحقاقات أجيال بكاملها من أبناء الجنوب في الوظيفة والإدارة العامة بهذا الشكل الذي يحدث.
وبدلًا من الاستفادة من تلك الخبرات يتم تصعيد أجيال تحت عنوان "التشبيب"، على حساب أصحاب الخبرة والكفاءة. ومما يؤسف له أن ذلك "التشبيب"، تصاحبه تزوير للشهادات من جامعات مُعتبرة وغير مُعتبرة، وفبركة للسير الذاتية التي يمكن لجوجل أن يكتشفها بسهولة، ولكن لا يكتشفها من يجب عليهم اكتشافها (ربما لأنهم من العينة أو النامونة ذاتها).
اليوم تم إزاحة أجيال بكاملها، للحد الذي ترى شابًا جنوبيًا من مواليد الثمانين وهو يائس ومحبط لأنه يشاهد مواليد التسعينيات أصبحوا في قمة الهرم في الإدارة والسياسة، من دون وجه حق. فكيف الحال بمواليد السبعينيات أو الستينيات (راحت عليهم رسمي!).
قد يجادل البعض بأن هذا ليس إزاحة للأجيال، وإنما تعاقب بديهي وضروري، ومهم لإعادة الهيكلة أو إعادة تشكيل درجات الوظيفة العامة. ويبدو هذا المنطق صحيحًا عندما يكون التعاقب من الأسفل إلى الأعلى مشروطًا ببذل القدر المناسب من الجهد واتخاذ القرارات بالاستناد لفهم الأساس المنطقي وراء كل وظيفة يتم اختيار الشخص المناسب لشغلها. وما يحدث بالتأكيد لا يمت بصلة لذلك. فما يحدث ليس انتقالًا أفقيًا ضمن نظرية توافد الأجيال إلى العمل العام، وإنما قفز عمودي على الوظيفة العامة والتخطي على استحقاقات الآخرين من دون حتى المرور بما يُسمى في السياسة والإدارة بنقل المعرفة.
لذلك، فإن إقصاء الأجيال ليس مرتبطًا لا بالتحديث ولا حتى بالتشبيب، وإنما مرتبط باصطناع ولاءات، عبر اختيار وتعيين عناصر، لم تكن تحلم لا في يقظتها ولا في نومها أن تكون شيئًا مذكورًا.