أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 02:51 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • سراب تقسيم الجنوب العربي: مناورات سياسية يمنية جديدة

    د. حسين لقور بن عيدان




     وَهُم تقسيم الجنوب يشغل بال القوى اليمنية وأحزابها أكثر من هَم تحرير صنعاء، رغم إدراكهم أنه مجرد سراب لأن شعب الجنوب يرفض تقسيم أرضه، مدركًا أن قوته في وحدته. التداخل الاجتماعي والاقتصادي يجعل التقسيم مستحيلًا، والافتقار إلى الموارد يكشف زيف وعود المتيمننين. العالم يدعم استقرار الجنوب، ليس بدافع المثالية، بل لأن الفوضى لن تخدم أحدًا. الوحدة اليمنية فشلت لأنها فُرضت بالقوة في 1994، لكن وحدة الجنوب خيار شعبي، مدعوم بتاريخ مشترك ومستقبل واحد.

    اليوم، الجنوب العربي أمام فرصة تاريخية، يمكنه أن يتجاوز ندوب الماضي، ويبني دولة حديثة قائمة على العدالة والتنمية. لكن هذا لن يتحقق إذا سمحنا للانقسامات أن تتحكم بمصيرنا. على القادة الجنوبيين أن يتحلوا بالشجاعة لرفض الأجندات الضيقة، والعمل معًا لبناء جنوب قوي وموحد. وعلى كل جنوبي أن يتذكر أن قوتنا في وحدتنا، وضعفنا في تفرقنا. فلنختر الطريق الذي يعيد للجنوب مكانته بصفة منارة للتقدم والاستقرار في المنطقة.

    لقد أثبتت الوقائع والمعطيات السياسية الراهنة والسابقة فشل المحاولات الرامية إلى تقسيم الجنوب العربي، تلك المساعي التي تغذيها قِوَى يمنية تسعى جاهدة لفرض واقع الوحدة بالقوة على الجنوبيين. وعلى الرغم من استمرارية هذه المحاولات، إلا أنها تواجه بصلابة الموقف الشعبي الجنوبي، ثم أن أمامها تحديات جسيمة على المستويين الداخلي والخارجي، ما يحول دون تحققها على أرض الواقع.

    على الصعيد الداخلي، تبرز عدة عوامل تضعف من فرص نجاح مشروعات تقسيم الجنوب:

    أولًا، المعارضة السياسية والشعبية الواسعة لفكرة تقسيم الجنوب أو فصل أي جزء منه، خصوصًا وأن هذه المشروعات تأتي بإدارة أحزاب يمنية لا تحظ بقبول في الشارع الجنوبي. فالرفض الشعبي العارم يمثل حائط صد أمام هذه المساعي.

    ثانيًا، التعقيدات في التركيبة السكانية والاجتماعية، حيث تتداخل المكونات المجتمعية في أغلب مناطق الجنوب (عدن، لحج، أبين، شبوة، حضرموت، المهرة) بصورة يصعب معها إيجاد خطوط فاصلة واضحة، ما يجعل من فكرة التقسيم عملية بالغة التعقيد، إن لم تكن مستحيلة من الناحية العملية.

    ثالثًا، الافتقار إلى الأسس المادية والاقتصادية الكافية لإقامة دويلات مستقلة في مناطق "التوترات"، مما يعني أن أي كيان منفصل سيكون هشًا وغير قابل للاستمرار في ظل التحديات الاقتصادية الهائلة.

    أما على المستوى الخارجي، فثمة أمران بالغان الأهمية يعيقان نجاح مشروعات التقسيم:

    الأول، التخوف الإقليمي والدولي من أن يؤدي تقسيم الجنوب أو فصل أي جزء منه إلى خلق حالة جديدة من عدم الاستقرار في منطقة حساسة استراتيجيًا، مما سيعرقل جهود التنمية ويفاقم الأزمات الإنسانية القائمة. فالمنطقة لا تحتمل المزيد من بؤر التوتر وعدم الاستقرار.

    الثاني، وجود توافق دولي واضح على ضرورة خلق مناخ من التهدئة طويلة الأمد في مواجهة ما خلفته الوحدة الفاشلة بين الجنوب واليمن من خراب وكوارث من جرّاءِ الحروب التي قادتها قوى عابرة للحدود. والتوجه الدولي الحالي يميل نحو وضع هذا الإقليم على مسار إعادة البناء والعودة إلى المجال الإقليمي والدولي بشكل إيجابي ومستقر.

    مع ذلك تشير جميع المعطيات الراهنة إلى محدودية قوة وتأثير مساعي تقسيم الجنوب العربي، سواء من حيث ضعف سندها الداخلي أو محدودية الدعم الخارجي. وفي ظل المعارضة الشعبية الواسعة، والتعقيدات الديموغرافية، والتوافق الدولي على أولوية الاستقرار، تبدو هذه المساعي أقرب إلى "المناورات" السياسية منها إلى المشروعات القابلة للتحقق.

    فقد أثبتت تجارب الماضي أن سياسات فرض الوحدة بالقوة على الجنوبيين أو محاولات التقسيم القسري انتقامًا لم تؤد إلا إلى مزيد من الدماء والمعاناة، وأن الحل الأمثل يكمن في التوافق الوطني الجنوبي الشامل والحوار البناء الذي يضمن حقوق جميع الأطراف ويحقق الاستقرار المنشود للمنطقة جميعها مع قيام الدولة الجنوبية.

المزيد من مقالات (د. حسين لقور بن عيدان)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال