أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 03:01 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • قصاصات في مهبّ أيار

    أحمد عبداللاه




    لم يكن الفشل المتتالي للحكومات أشدّ إيلامًا من الصمت عليه، ومن تواطؤ الإعلام الشعبوي والانحيازات السياسية، وهي التي تجمّل قبح العابثين وتشوّه الحقائق.

    يذهب رئيس حكومة، ويأتي آخر من ذات "الكولكشن" المحفوظ في مستودع"الشرعية"، ومع ذلك يظن الناس أن هناك تغييرًا، لكن الحقيقة أن الوجوه ثابتة، ولا تتبدّل سوى المرايا في مقصورة سفينة تائهة.

    منذ عقد كامل، وعدن ما تزال عالقة في الظلمة؛ لا تُضاء ولا تستضيء، حتى إنها لم تعد تدري بمن تستنجد، بعد أن تراجعت “المناديل التي لوّحت”ذات يوم إيذانًا بلقاء قريب… لم يأتِ.

    فما هي الشرعية إذن؟ ولماذا هي باقية؟ ومن أجل ماذا؟

    في الحرب، لا تملك مثقال ذرة من القرار، وفي السلام لا حول لها ولا قوة، لأن "هندسته" تتم خارج الحدود. و بالمجمل، فإنها لا تستطيع تغيير شيء في المعادلة، خاصةً وأن كل مفاتيح"الكونترول" معلّقة على حائط خارج الفضاءات المحلية.

    هذه الكيانية الباهتة استنفدت رصيدها الشعبي منذ سنين، ولا ترى فيها الدول الراعية أكثر من أداة تُستخدم عند الحاجة. أما قناعات الداخل والخارج فقد باتت راسخة: إنها ليست مؤهّلة لشيء، سوى كونها “الراية الزائفة” التي يرفعها التحالف العربي و يقايض بها وقت المساومة، أو يوظفها لإتمام صفقة تخدم أهدافه أولًا.

    وكلما تصاعدت كرات اللهب جرّاء قصف صنعاء، تعلو معها نبرات خطاب الشرعية حول “عام الحسم”!

    والعالم يقرأ مأساة القابعين في قصور الرياض من خلال خطابهم عن النصر المنتظر، تصنعه طائرات أمريكية أو إسرائيلية… وتلك تراجيديا هي من أشدّ اللحظات حلكة في تاريخ الشعوب المنكوبة.

    النصر المحتمل في خيالات الفارّين من ديارهم لا يصنعه سوى الوهم وخداع الذات. وها هو ترامب، “زعيم التحولات المنتظرة”، يختنق مداه في أسابيع قليلة، وقد يقرّر “خروجًا استراتيجيًا من مستنقع اليمن”، كما فعلت المملكة. وإن فعل ذلك نهائيًا، فسوف يطلق في الوقت ذاته رصاصة الرحمة على ما تبقّى من وهم الشرعية.

    الشمال في قبضة"أنصار الله"، ومن أراد أن يغيّر هذه المعادلة عليه أن يمتلك قراره وموارده، وتلك مسألة مستحيلة في المشهد الحالي. خاصةً وأن أي حرب لم يعد هدفها انتزاع صنعاء، وكذلك أي تسوية، إن استمر “أنصار الله” بهذا الزخم، فلن تتم إلا لـ”تسييدهم” على “فتوّات” الشرعية اللاهثين خلف الأموال والمناصب.

    لم تكن الشرعية"حاملة قضية"، وإنما"حاملة شعار". ومشروع تحرير صنعاء لم يتحقق، لأنه منذ البداية لم يكن يمتلك مقومات أو آليات النجاح؛ وكأنه وُضع خصيصًا لإبقاء عدن رهينة في قبضة نخب وأحزاب فرّت من صنعاء وتخلّت عنها، بينما حوّلت عدن إلى مأوى تابع وبائس يتكدّس فيه الملايين تحت وطأة العتمة والمعاناة.

    أما الجنوبيون، على هامش الشراكة، فقد باتوا هدفًا سهلًا لحملات إعلامية واسعة تسعى لتحميلهم وزر الإخفاق والانهيار.

    والأعجب من كل ذلك هو استمرار التعاطي مع هذه المعادلة المختلّة كقدر لا مفر منه.

    أيار، مذ سقط على رؤوس الحالمين، لا يقدّم كعادته خلاصة النص، بل يورّث مسوّدات باهتة، تنتظر دومًا إعادة الصياغة والتصحيح، أو تُرمى في نفايات الزمن.

    فيه تُنبَش نصوص لم تكتمل، ويمرّ الماضي مجددًا، يفتح جراحًا قديمة، ويستحضر خيبات عقود من الانكسار.

    وبدلاً من أن تستيقظ المساحات الصامتة في الأذهان، يتم التلهّي بأخبار الإعلام الرديء والمستثمرين سياسيًا في أوجاع الناس ومتاعبهم.

    الخلاصة:

    إذا لم تذهب لتحقيق حلمك، فأنت، دون إرادة أو دراية، تعمل لتحقيق أحلام الآخرين. وكل “أزمة جيدة” تهدرها دون استفادة، فأنت في الحقيقة لا تملك حسًا سياسيًا، ولا إحساسًا بالمتغيرات.

    هذه ليست حكمة منسوبة لأحد قادة الحرب العالمية الثانية فقط، وإنما خلاصة تجربة الساسة الكبار في الزمن الصعب، حتى وإن لعنهم خصومهم.

المزيد من مقالات (أحمد عبداللاه)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال