> عدن «الأيام» وهيب الحاجب:
- عدن بلا كهرباء.. ما وفروه من إلغاء شراء الطاقة دمروا به المحطات الحكومية
- سم في العسل.. إجهاز على ما تبقى من كهرباء عدن عبر قرارات تدعي محاربة الفساد
- آخر الحلول.. عصيان وسيطرة ولجان مؤهلة لإدارة المؤسسات بعيدا عن طرفي الحكومة
"الجنوبي" بن مبارك مرر قراره بإلغاء عقود شراء الطاقة دون بدائل، وتمكن بنجاح من إنهاء ما تبقى من قطاع الكهرباء في عدن وأدخل أبناء العاصمة في جحيم وحميم بعد أن أخذ "اللقمة" من أفواههم، ليضع بذلك شركاءه في المجلس الانتقالي "الجنوبي" أمام موقف صعب وبين خيارات سياسية مكلفة... فماذا ومن وراء قرار بن مبارك؟ وأين سيقف الانتقالي ومع من: "مطلع أم منزل" ؟!
في منتصف فبراير الماضي، أصدر رئيس الوزراء بحكومة المناصفة د. أحمد عوض بن مبارك قرارًا بإلغاء جميع عقود شراء الطاقة من القطاع الخاص، وهو إجراء لطالما طالب به خبراء اقتصاديون بدعوى أنه سيخفف على الحكومة عبئًا ماليًّا ضخمًا ويوجه الأموال مباشرة لدعم المحطات الحكومية، بيد أن النتيجة جاءت معاكسة تمامًا.. توقفت المحطات الحكومية عن العمل بشكل كامل لتعيش العاصمة عدن أسوأ أزمة كهرباء منذ عقود.
الدافع خلف إلغاء عقود الطاقة كان لتوفير مبالغ طائلة كانت تدفع للقطاع الخاص، سواء مقابل إنتاج الكهرباء أو شراء الوقود لمحطاتهم، وتسخير هذه الوفورات المالية لشراء النفط الخام والديزل والمازوت لمحطات الحكومة، لتعمل بكامل طاقتها التوليدية دون انقطاع؛ وبالتالي إنهاء ظاهرة "الاعتماد على الطاقة المشتراة"، وتقوية الاعتماد على المحطات الحكومية.. لكن بدلا أن تتحقق هذه الأهداف المعلنة ازدادت ساعات الانطفاء الكهربائي في عدن ومحافظات الجنوب إلى مستويات قياسية وصلت أمس وأمس الأول إلى أن توقفت المحطات الحكومية عن العمل بشكل كامل بسبب نفاد الوقود، وهذا يعني أنه لم يظهر أثر حقيقي للوفورات المالية التي أعلنت عنها الحكومة، سواء عبر توفير الوقود أو عبر تحسين الخدمة.. فأين ذهبت الأموال التي قيل إنه تم توفيرها؟ ولماذا لم تجهز المحطات الحكومية بالوقود الكافي بعد إلغاء العقود؟
- قرار سياسي أم إصلاحي؟
كانت هذه العقود تتم غالبًا عبر اتفاقيات مع شركات خاصة، بعضها يفتقر للمعايير، كما ارتبطت تلك العقود بشبهات فساد مالي كبير، واعتُبرت واحدة من أكبر ملفات الفساد في قطاع الخدمات.
سعى بن مبارك في ظل ضغوط من دول الجوار الداعمة، إلى تنفيذ إصلاحات حقيقية للحد من استنزاف موارد الدولة، وكان إلغاء الطاقة المشتراة أحد أهم هذه الخطوات، بهدف كسر شبكة الفساد المرتبطة بهذا الملف.
القرار من حيث الشكل اتخذ غطاء "الإصلاح الاقتصادي"، لكنه في الواقع حمل أبعادًا سياسية خطيرة تكشف جميعها عن ملامح مخططات ممنهجة ومرتب لها ومتفق عليها لتعطيل قطاع الكهرباء بشكل كامل؛ وذلك إما لإفشال توجهات إعادة بناء مؤسسات الدولة في عدن ومحو ما تبقى من ملامح المدنية والنظام لتبقى عدن كسيحة تفتقر لأن تكون عاصمة لدولة، سواء الجنوب أو اليمن، أو لإحداث انفلات وفوضى ومصادمات يتعزز معها إبقاء عدن فرعًا تابعًا للأصل وانتزاع أي مقومات يرى "العدو" أنها تؤهل المدينة لتكون عاصمة لدولة جنوبية مستقلة.
منذ لحظة تنفيذ القرار، لم تقدم حكومة بن مبارك أي خطة طوارئ لتوليد الكهرباء أو شراء محطات جديدة، والتصريحات الرسمية كانت خجولة ومبهمة، تركز على "وجود خطط مستقبلية"، بينما كانت عدن تغرق رويدا رويدا في ظلام دامس. ترافق ذلك مع تجاهل شبه كامل لمناشدات السلطات المحلية والمواطنين بضرورة التدخل العاجل، مما زاد من حدة الاحتقان الشعبي.
ثمة هناك رأي لدى أوساط الرأي العام في عدن والجنوب عامة مفاده أن أحمد عوض بن مبارك، بصفته شخصية جنوبية، استُخدم كواجهة لتمرير قرار كارثي كان سيرفض لو صدر من شخصية شمالية.
بمعنى آخر، تم دفعه ليأخذ قرارًا يؤدي عمليًا إلى "قتل عدن بيد جنوبية"، مما يخفف من حدة الغضب الشعبي تجاه الحكومة الشرعية اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي.
تشير تسريبات إلى أن القرار جاء بعد ضغوط مباشرة من شخصيات نافذة داخل الحكومة وخارجها، بهدف تنفيذ مخططات مع ضمان "أقل تكلفة سياسية" عبر تمريره على يد مسؤول جنوبي.
- بركان شعبي
تصاعد الغضب الشعبي ينبئ باحتمال دخول عدن مرحلة العصيان المدني الشامل إذا استمرت الأزمة على حالها، وهناك مؤشرات حقيقية على أن الحركات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني بدأت التنسيق لدعوات واسعة للإضراب العام والسيطرة على المؤسسات الحكومية، كخطوة تصعيدية لفرض الاستجابة ورفع المعاناة عن كاهل السكان.
الفراغ الخدمي عادةً ما يرافقه فراغ أمني، خصوصًا في مدن مثل عدن تعاني أساسًا من هشاشة في منظومتها الأمنية، وكل هذه السيناريوهات ممكنة، خاصة مع حالة الإحباط الجماعي وتآكل الثقة بأي حل قريب.
- موقف الانتقالي
الانتقالي يكتفي عادة بإصدار بيانات تندد بالأوضاع المعيشية وتطالب الحكومة بتحمل مسؤولياتها، لكنه لم يتخذ خطوات عملية حقيقية، مثل فرض حلول بديلة أو فك ارتباطه بالحكومة، في المقابل هناك ضغوط متزايدة من قواعده الشعبية لدفعه نحو تبني مواقف أكثر صرامة، بما في ذلك دعوات لإعلان "حالة الطوارئ الجنوبية" أو السيطرة المباشرة على إدارة الخدمات في عدن خارج إطار الحكومة، أو إعادة العمل بقرار "الإدارة الذاتية" للجنوب التي كان أعلنها الانتقالي في العام 2022م ثم تراجع عنها بعد أقل من شهرين.
وسط هذا الوضع المعقد فإن المجلس الانتقالي واقع أمام عدة خيارات، كلها مكلفة سياسيًا وتحتاج إلى إرادة وخطط بديلة تواجه تبعات أي قرار، حتى لا تكون نتيجة أي قرار كمصير قرار بن مبارك وحكومته بإلغاء عقود الطاقة المشتراة.
أول الخيارات أمام الانتقالي هو التصعيد السياسي عبر المطالبة بإقالة الحكومة وتحميلها كامل المسؤولية، وهو ما قد يعيد تأجيج الخلافات مع مكونات الشرعية، يرافق ذلك تدخل إداري مباشر عبر مساعدة القطاعات الشعبية المدنية على تشكيل لجان محلية لإدارة الكهرباء والمياه والخدمات، مع مراعاة ما يحمله ذلك من تحدٍ قانوني وسياسي.
أما ثاني الخيارات فهو الانخراط في دعم العصيان المدني كخيار شعبي، لكن هذا قد يدفع الوضع نحو الانفجار الشامل خارج سيطرته.
مسألة الاستمرار بالمناورة السياسية دون تحرك فعلي، مع تحميل الحكومة المسؤولية إعلاميًا ومحاولة تجنب الاصطدام المباشر فهذا ليس خيارًا بل سلوكا اعتياديا يمارسه الانتقالي عند كل أزمة تعصف بالعاصمة عدن وتفاقم معاناة أبناء الجنوب، وهو سلوك محفوف بمخاطر فقدان ثقة قواعده الشعبية.
- عدن أمام مفترق طرق