> «الأيام» محمد حسين الحداد:

أمل كعدل أثناء مشاركتها في إحدى حفلات الزيارة عام 1996
أمل كعدل أثناء مشاركتها في إحدى حفلات الزيارة عام 1996
تعود أهالي حضرموت منذ القدم على إقامة أنواع من الاحتفالات للتجمعات البشرية ذات طابع اجتماعي، ثقافي، اقتصادي وديني حول أضرحة أبرز العلماء المصلحين الاجتماعيين، ويطلق على هذه التجمعات (الزيارة) وهي موسم سنوي تقليدي شعبي يقام في عدة مناطق من حضرموت وغيرها التي تشهد وما زالت مجموعة من الفعاليات، ففي (حضرموت) تقام أكثر من 12 زيارة.

ولكل من هذه الزيارات أحاديث وحكايات شيقة وممتعة توارثها الأبناء عن آبائهم وأجدادهم، ويتم الاعلان عن موعد اقامتها في السنوات الاخيرة رغم تحديد موعد كل زيارة ومعرفته من قبل الأجداد والآباء، وتعد الترتيبات اللازمة لإنجاح كل زيارة وفعالياتها المختلفة، ولعل زيارة القطن المعروفة بزيارة السيد عمر بن محمد الهدار، وهو مصلح اجتماعي، أهم تلك الزيارات بعد زيارة قبر النبي هود عليه السلام، من حيث الترتيب والإعداد والزوار، واكتسبت أهميتها من موقع المدينة الجغرافي في قلب وادي حضرموت وملتقى وديانه، واستمرارها إلى اليوم منذ (142 عاما) دون انقطاع دليل على حرص الأهالي ودور هذا المصلح الاجتماعي في المنطقة، وحرص السلطة المحلية على إحياء الموروث الشعبي والحفاظ عليه، وقد اختتمت فعاليات الزيارة يوم الأحد الماضي الموافق 7 أغسطس الجاري، كما يحرص على حضورها مسؤولون في قيادة الحزب سابقاً والسلطة المحلية بالمحافظة والمديرية في السنوات الأخيرة.

بداية الزيارة
يختلف الرواة حول قيام أول زيارة، فمنهم من قال إن الزيارة بدأت بعد وفاة السيد عمر مؤسس الزيارة، أي منذ حوالي 142 عاما، وآخرون قالوا إن الزيارة أقيمت في حياته، واعتبرت فترة أيام الموسم وهي ثلاثة أيام بمثابة هدنة بين القبائل المتنازعة، ويقوم السيد، رحمه الله، بعقد صلح بين هذه القبائل خلال الموسم، وينطلق موكب الاحتفال من بيوت آل هدار بضاحية المرقدة وصولاً لقباب الهدار الواقعة في قلب مدينة القطن، والتي تعتبر من أهم معالم المدينة، ويقع بجانبها قبر الأمير علي بن صلاح القعيطي ووالده.

ويقام حول القباب سوق تجاري يتزود منه الأهالي والزوار بالمؤن والمحتاجات الضرورية لموسم كامل، وفي السبعينات ونتيجة للاستحداثات في المباني التي أقيمت حول القباب تحول موقع الزيارة إلى الساحة الواقعة تحت جبل الريضة، ومن ثم تم صرفها لإقامة منشآت للنادي الرياضي.

ومنذ 7 سنوات بدأ النادي بتسوير ملعب، وهو السوق التجاري للزيارة.

فرقة المسرح بحضرموت في إحدى المشاركات
فرقة المسرح بحضرموت في إحدى المشاركات
تنظيم موسم الزيارة
كانت الزيارة يقوم بها ويشرف عليها السادة آل هدار حتى السبعينات، إذ تحول الإعداد والإشراف عليها الى السلطة المحلية بالمديرية، وكل عام تعطى لمرفق حكومي أو منظمة جماهيرية للاستفادة من عائداتها المالية، وتقام حفلات فنية ساهرة بمشاركة فرق للمسرح من عدن والمكلا، وفي مايو 96م أقدمت السلطة المحلية ومكتب الإسكان على توقيع اتفاقية مع مكتب الفواز للخدمات العامة ومؤسسة هينن للمقاولات والخدمات مدتها 25 سنة، وتم تنظيم الموسم الأول بعد توقيع الاتفاقية، ونظمت حفلات فنية وأنشطة متعددة («الأيام» العدد (307) بتاريخ 10 نوفمبر 96م)، ولبروز خلافات بين الشركاء في العام الثاني انفرد مكتب الفواز بتنظيم الموسم، واستقدم فرقة وزارة الثقافة وفنانين من عدن وصنعاء وحضرموت، بمشاركة الفنان الكوميدي آدم سيف، كما وجهت دعوات للشركات والمصانع التجارية لعرض منتوجاتها، وفي عام 1998م أعلنت السلطة المحلية انها ستقوم بتنظيم الموسم وعدم إمكانية التعامل بموجب الاتفاقية لأسباب تتعلق بمصلحة المديرية (تناولت «الأىام» ذلك في العدد رقم 500 بتاريخ 30/9/98م) وهكذا عادت السلطة المحلية من جديد للإعداد والترتيب لمواسم الزيارة، كما تم الإعلان عن مناقصة لتنظيم موسم للتنافس بين التجار مقابل مبلغ حوالي 500 ألف ريال، وقام تجار بإثبات جدارتهم بتنظيم وإحياء الموسم وإقامة ألعاب نارية تغطي سماء المدينة لأول مرة.. وهذا العام تم إسنادها للنادي فقام بتنظيم الموسم التجاري وعدة أنشطة رياضية وثقافية، كما عهدت الحفلات الفنية منذ عام 98م لجمعية فناني حضرموت للتراث الموسيقي ولفناني فرع المديرية أو الإشراف عليها، واعتذرت هذا العام لعدم قدرتها على تحمل مصاريف الحفلات، حيث كانت تقدم خلال فقرات الحفل جوائز نقدية أو هدايا قيمة وسحباً على تذاكر دخول الحفلات.

السوق التجاري
وهو عبارة عن مجموعة من المحلات (البساط) مكونة من أعمدة من الخشب أو أنابيب المياه على شكل مربع أو مستطيل يغطى بقماش سميك (طربال) تعرض فيه المنتوجات والصناعات الحرفية التقليدية (الحلويات والمكسرات والأقمشة والملابس والمصوغات الذهبية والفضية وألعاب الاطفال واللبان والعسل وأدوات النحالة والتمباك وأماكن خدمات للزوار: بوفيهات ومطاعم ومعارض للسيارات وبيع وشراء وأخشاب محلية من أشجار السدر وأسواق للمواشي: أغنام وإبل وأبقار وحمير) وتقوم الجهة المنظمة للموسم بتوصيل المياه والتيار الكهربائي للجميع.

احد بائعي اللبان
احد بائعي اللبان
موعد لموسم الزيارة
كانت الزيارة قديما تحدد بـ 3 أيام من12-15 جمادى الآخرة، ومنذ السبعينات تبدأ بنفس التاريخ وتستمر لأسبوع أو أكثر حسب حركة النشاط التجاري والزوار، ولكنها هذا العام بدأت متأخرة أي في يوم 22 جمادى الآخرة واستمرت حتى 2 رجب.

ومنذ حوالي 7 سنوات وبعد إعادة نشاط الألعاب الشعبية الشبواني بمدينة القطن، يقام المطلع السنوي يوم الخميس مع بداية الموسم، وللشبواني حضور كبير ويتم تسجيل ما يعتمل في جلسة السمر والاستعراض بالرقصات الفنية الجميلة للتوثيق وإرساله للمغتربين.

ويلاحظ أن الموعد تأخر عن المواعيد السابقة للزيارة نتيجة للإعلان عن الجرعة السعرية وعزوف أصحاب المحلات عن الحضور المشهود لهم بالمشاركة في كل الزيارات التي تقام بوادي حضرموت، إلى جانب انقطاع التيار الكهربائي المستمر، إلا أن حركة وازدحام الزوار في أيام الاربعاء والخميس والجمعة تشمل مختلف أرجاء المدينة، واكتظت الفنادق بالنزلاء، متزامنا مع وفود المغتربين من المهجر.

هل يتحول الموسم إلى مهرجان وطني؟
كانت الزيارة ومازالت تقام كتقليد شعبي تجاري للحفاظ على الموروث الشعبي وإبراز مكنوناته، إلا أن اتفاقية عام 96 لتنظيم الموسم، وكذا مع تجار آخرين قاموا بتنظيم الموسم، هدفوا إلى إعدادها جيدا وتطوير الموسم التقليدي ليصبح مهرجانا وطنيا يسهم في تطوير الحركة التجارية والثقافية والسياحية، ونؤكد على الحفاظ على الموروث الشعبي والطابع التقليدي للزيارة والاهتمام بها وتطويرها، والاستغلال الأمثل للمقومات المختلفة بالمديرية، وندعو السلطة المحلية وعلى رأسها المحافظ النشط عبدالقادر هلال الذي حضر وشارك في أحد المواسم إلى تكليف لجنة لوضع دراسة لتطوير الزيارة.

هكذا هي عزيزي القارئ احتفالات موسم زيارة القطن التي يتوافد إليها الزوار من مختلف مناطق الجمهورية ولا يسعنا إلا أن نقول كما قال الشاعر الراحل عمر علي باجبير : «القطن داري وكمين جيد فيها الدار .. ما لوم جاري ولا اعاتب على من جار.. أهلي وناسي لهم عزه لهم مقدار».

وقال عنها الشاعر الكبير الراحل حسين أبوبكر المحضار: «قلبي في القطن قاطن وان شف شف العنين .. لا تنكرونه مواطن له نخل فيها وطين.. يا سارح القطن سلم لي على القاطنين»

المراجع: دراسة حول تحليل جغرافي لمقومات السياحة في حضرموت، ورسالة ماجستير للطالب أحمد عبدالله بن دويس- جامعة عدن.