> «الأيام» فردوس العلمي:

وقفوا على خشبة المسرح ليغنوا للفرح فانكسر فيهم الفرح وذرفوا الدمع .. أطفال استكثر عليهم البشر نصف ساعة من الزمن حين وقفوا بذهول ليجدوا أنفسهم يغنون للمقاعد الخالية من البشر أنشودة ألم تحكي للمقاعد قسوة البشر.

يوم امس والعالم يحتفل بيوم الطفل العربي والذي صادف تدشين اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد الأطفال، وفي غمرة الاحتفال بهذا اليوم الذي يفترض أن يكون سعيدا على كل طفل كان هناك أطفال تشنجوا من البكاء والنحيب، وكانوا كالعصفور المذبوح يرقص من شدة الألم.

أطفال جنى عليهم الزمن واستكثر عليهم البشر نصف ساعة ليس أكثر ليروا إبداعاتهم وليسمعوا صوتهم.. هؤلاء هم أطفال مركز الطفولة الآمنة بعدن الذين حضروا للمشاركة في الاحتفال المقام بدار الأحداث بهذا اليوم السعيد، والابتسامة مرسومة على شفاههم والضحكة في قلوبهم (تتنطط) وكانوا يقولون "اليوم ما حد بيقهرنا، اليوم يومنا بنجني تعبنا والكل بيسمعنا" هذا كان فكرهم وفي رحلتهم كانوا يرددون بصوتهم الباكي أنشودتهم التي تحكي فقدان الحنان ممن هم نبع الحنان.

وحين وصلوا مكان الحفل استمعوا إلى مشاركات زملائهم واستمتعوا بها والفرح يغمرهم وكفوفهم تلتهب بالتصفيق، لمَ لا فهؤلاء أيضا أطفال عاشوا العنف وذاقوا مرارته، وحين حان دورهم وقف ثلاثتهم على خشبة المسرح وطال الانتظار دقائق قليلة، وخيم السكون، وظلل الحزن أجواء الفرح في قلوب هؤلاء الصغار حين لم يجدوا لا بشرا يسمعهم ولا حتى ميكرفوناً، فقد غادر الجميع دون أن يستمعوا إليهم، والسبب سوء التنسيق للحفل وحب الذات.

ماذا يقول هؤلاء الأطفال عن هذا اليوم الذي ضحك فيه أطفال العرب وأقرانهم في اليمن، وبكوا هم فيه من شدة الألم ومن قسوة الإهمال؟.

أيمن تحدث ونشيج البكاء يقطع صوته ليحكي لنا عن ألم قلبه الصغير: "طلعنا ووقفنا كأننا لسنا بشرا لم يعبرنا أحد" بكى دموعا هي عنوان ألمه وقال"إذا ما حد يشتينا ليش خلونا نشارك معهم في الحفل؟ والله ذهبنا لنقدم فقرات حلوة وأصبحنا شحاذين".

ويشاركه زميله فؤاد "أوجعنا منظر إخواني وهم على خشبة المسرح وكل المقاعد خالية من الناس، حتى رسوماتنا التي عبرنا فيها عن حلمنا لم نشارك في شرحها"

وقال إبراهيم: "وجعوا قلوبنا ياريتنا ما ذهبنا إليهم" ويتساءل إبراهيم "إيش عملنا حتى يحطمونا ويكسروا الفرح داخلنا.. وقفنا لنغني وبخلوا علينا حتى بالمكرفون .. أليس نحن اطفال، وهذا يوم الطفل؟" صمت ولسان حاله يقول نحن مشردون منبوذون من أسرنا فكيف يتقبلنا الآخرون؟!

أما ياسر فيقول: "والله أنا زعلان، وزعلت لما شفت اخواني واقفين على المسرح وما فيش احد في المكان ومافيش معاهم ميكرفون وكان نفسي اقول لأمي سميحة أحسن نروّح ولا نجلس هنا".

غمدان محي الدين يقول "مش بتعبنا اكثر من اسبوعين نتدرب ونراجع الأنشودة ونص المسرحية، كله طلع كذب".

ويقول جمال بسخرية "اسبوعين نتدرب وبعدين يمشونا على الهواء والجمهور يمشي حتى المسؤولين تركونا ما سمعونا ولم يبق أحد غير اطفال تلعب بين الكراسي".

الأخ أيوب أبوبكر، مدير مكتب الشئون الاجتماعية والعمل وهو من تبقى ليشاهد الحفل يقول عن هذا اليوم: "بالنسبة لمكتب الشئون الاجتماعية والعمل يعتبر هذا اليوم يوما نسعى فيه للاحتفال مع اطفالنا من مراكز ودور الرعاية الاجتماعية في محافظة عدن لكي نرسم البسمة على وجوههم، ونؤكد أن المجتمع خاصة في محافظة عدن خال من العنف ضد الاطفال سواء في مراكز الشرط أو مراكز دار الرعاية الاجتماعية".

وأضاف: "من خلال مهامنا نقوم بالاطلاع الدائم على أحوال هؤلاء الأطفال في هذه المراكز للتأكد بأنهم لا يتعرضون للعنف"

وشكر قيادة المحافظة لدعمهم المتواصل وقيادة الأمن التي تسعى دائما لعدم إبقاء أي طفل أكثر من 24 ساعة في الحجز، كما شكر صحيفة "الايام" لاهتمامها الدائم والمتواصل بقضايا الأمومة والطفولة.

انتهى الحفل، وبقي الألم يرفرف في قلوب أطفال حرموا الفرح، وحين وصلوا إلى دارهم بكوا ولسان حالهم يقول "من خرج من داره قل مقداره".

إدارة المركز حاولت أن تمسح بيد حانية على أطفالها لتمحو من ذاكرتهم تلك اللحظات فعوضتها بوجبة غداء في أحد المطاعم، في محاولة منها لمسح الألم في يوم من المفترض أن لا يشعر فيه الطفل بألم .. ولكن هي الأقدار تحكم البشر.