> «الأيام» صالح حسين الفردي:

(1) ..كتب الصحفي والأديب السعودي أحمد المهندس في صفحة فنون أيامنا الدائمة ليوم الخميس العدد (5409) موضوعاً جديراً بالتأمل موسوم (إنه لايمثل الغناء الحضرمي الأصيل!) وهو موضوع ينم عن حب عميق وأصيل يحمله هذا الكاتب للفن اليمني عامة والحضرمي خاصة، وقد فتح الصحفي والكاتب (ابن المهندس) ملفاً مسكوتاً عنه في المشهد الثقافي والفني اليمني الرسمي يتمثل في دوره - بقصد أو بغيره- في تهميش وتسطيح وتغييب الموروث الفني الحضرمي (مسرح، رقص، شعبي، فنون تشكيلية، فرق فنية موسيقية، وإنشادية، سينما)، وهي الأقانيم التي كانت حاملة لهذا الموروث منذ زمن بعيد وظلت في كل المراحل التاريخية جديرة بثقة هذا التراث الحضاري الإنساني الأصيل، وبقيت كذلك أمينة على تقديمه بما يليق بعمقه وفنيته العالية وأصالته التليدة وجذوره المغروسة في الذاكرة الجمعية دون أن تشوبها شائبة أو تحيلها عن موطنها وهمسها وهواجسها حائلة، حتى جاء الزمن الوحدوي فبرزت على سطح هذا المشهد الثقافي والفني ثلة فاضية باهتة خاوية متسلقة نسجت خيوطها مع شبكة المصالح التي لا تعي دور الثقافة ومخاطر العبث بها في حياة الأمة، ونجحت في التربع على هذا المشهد بكل نوافذه وقنواته فعاثت فساداً وتفسيداً فيه ونثرت سمومها ونشرتها في كل زوايا المكان وامتدادات الزمان .

(2)

عزيزي أحمد المهندس، هذا التحالف المشبوه كان حصاده كما ترى هذا (الدعي) عمر باوزير- وهو وصف ينطبق عليه وعلى غيره ممن جعلهم الإعلام الرسمي والثقافة الرسمية صوت حضرموت وضميرها وخوالجها ووعيها في ظل تراجع المثقفين الحقيقيين والفنانين الرواد حفظاً لتاريخهم وكرامتهم الفنية والأدبية من التلوث الدعائي الممجوج، وإلا كيف نفسر غياب أصوات بحجم الفنانين المخضرمين - المنسيين- محفوظ محمد بن بريك صوت المحضار وصدى ضبضب - وعبدالله سالم مخرج المثقف المتمكن من أدواته الغنائية والفنية، ومفتاح سبيت كندارة، شادي المكلا الرخيم، وعمر محمد غيثان صاحب الصوت المتفرد في الأغنية الحضرمية، ومن المبدعين الشعراء سالم أحمد بامطرف، وأحمد سالم البيض، ومحمد محفوظ سكران الكالف، وعمر أبوبكر العيدروس، ومن المبدعين الملحنين محمد علي عبيد وغيرهم من أصلاء الفن الحضرمي وعباقرته - أطال الله في أعمارهم - وأظنك سوف تصاب بالدهشة عندما تقرأ بعضاً من هذه الأسماء التي لم يعد يحتفي بهم إعلامنا الرسمي وصحافتنا الرسمية ومن بيدهم الحل والعقد في المشهد الثقافي والفني بحضرموت والعاصمة صنعاء .

(3)

لله درك يا ابن المهندس، لقد حركت في الكثيرين من المنتمين لهذا التراث الغنائي الثري الباذخ كوامن هامدة فيهم وطدوا أنفسهم خلال هذه السنوات الثقافية والفنية العجاف على الصمت المرير، ولكننا كتبناها أكثر من مرة على صفحات ذاكرتنا اليومية «الأيام» إلا أن صنعاء لم تعر ما نكتب مسمعاً، بل أنه قد سنحت لنا فرصة قبل سنتين بلقاء الأستاذ خالد عبدالله الرويشان وزير الثقافة حينها مع غيري من فناني المحافظة كالفنان عبدالله مخرج وعازف الكمان المبدع محمد أحمد باعباد وغيرهما من الجيل الجديد للفن الحضرمي ، وكنت متحدثاً باسم المجموعة عرضت عليه هذا الاهتمام الرسمي الكبير بدعي لا يمت للفن الحضرمي بصلة وتتويجه في صنعاء صوتاً فنياً ممثلاً لهذا التراث الفني الأصيل، وكان قد عاد من تمثيل حضرموت مع وفد بلادنا الثقافي في الخرطوم عاصمة للثقافة العربية 2006م، إضافة إلى قضية اغتيال السينما الأهلية وتغيير نشاطها الذي عرفت به منذ ستينات القرن الماضي إلى مطعم وصالة أفراح، وغياب الفن المسرحي الذي عرفته حضرموت في بداية أربعينيات القرن الماضي، وتشريد فرقة الرقص الشعبي وإغلاق معهد محمد جمعة خان منتصف تسعينيات القرن الماضي، وزدت في عرض قضايا الفن والثقافة وهمومها على مسامعه وقد أدهشني الرجل بعدم معرفته لكل هذه المشكلات وعدم توفر بيانات دقيقة بأعلام حضرموت الفنية والثقافية الخالدة، وهنا تكمن الطامة الكبرى، فصنعاء غير حفية بمعرفة تراث وتاريخ وأصالة حضرموت بعد أن استعاضت عن ذلك بثلة مدعين في الفن والثقافة والشعر وهو الحد الذي بلغته في هذا الزمن الوحدوي !.. لذا يا ابن المهندس شكراً لك فلربما تستمع إليك صنعاء وتعيد النظر وتصغي السمع لحضرموت الأصالة والتاريخ والثقافة والتراث .