> تقرير/ علاء عادل حنش
تفاقم الوضع المعيشي لدى المواطن في عموم البلاد، والمحافظات الجنوبية خاصة، وأصبح الوضع مأساويا، وكل ذلك يعود إلى المناكفات السياسية التي جعلت جميع الأطراف تتناسى هم المواطن، وشؤونه واحتياجاته، فأصبحت الخلافات السياسية تحظى باهتمام المسؤولين، وتجدهم يهتمون بكيفية صياغة منشور فيسبوكي أو تويتري، في حين تناسوا كيفية صياغة خطة لاخراج البلد من وضعه المزري.
فمنذ أن كلف الرئيس عبدربه منصور هادي، بن دغر بتشكيل حكومة يمنية في 4 أبريل 2016، والبلاد تغرق في مستنقع الأزمات، فتهاوت العملة الى الحضيض، وارتفعت أسعار المواد الغذائية لمستوى جنوني، وانعدمت ابسط الخدمات الأساسية للمواطنين، فلا مشتقات نفطية مستقرة، ولا مياه تصل للمنازل بانتظام، وأصبح الحصول على لقمة العيش حلما من أحلام أغلب المواطنين.
ورغم أن الانتقالي ليس من مهامه دفع مرتبات أو الحفاظ على سعر العملة أو توفير المشتقات النفطية، إلا أنهُ كان يأمل منه أن يفعل المستحيل لأجل المواطن، دام وأنهُ دخل في هذه المعمعة السياسية.
مراقبون سياسيون قالوا إن «الشرعية تلقي في أحايين كثيرة اللوم على الانتقالي، ما جعله يكون في الواجهة السياسية».
وأكدوا أن «ذلك لا يعني إعفاء الانتقالي من أي مسؤولية تجاه المواطنين».
وتابعوا «الحالة الأمنية المتردية في عدن دفعت بالمستثمرين إلى العزوف عن الاستثمار فيها خشية من خسارة ملايين الدولارات».
وأوضحوا أن «على الطرفين ألا يدخلوا الصراع السياسي في قوت المواطن، ولا يجب أن يدخل ضمن مناكفاتهم وخزعبلاتهم السياسية».
كارثة الشرعية
لا يختلف اثنان على أن أداء الحكومة في جميع النواحي سيئ للغاية، بل إنهُ لا يرقى لدور حزب أو مكون صغير.
فالثقة التي منحها الرئيس هادي لبن دغر في أبريل 2016، لا تستحقها إطلاقا، لا سيما عندما نعلم أن المنخرطين في السلك المدني للشرعية (السلطة العليا، كبار الموظفين فقط) يصل عددهم إلى 1300 موظف، وهذا رقم مخيف، وربما زعيم أكبر دولة في العالم لا يجرؤ على تعيين مثل ذلك.
ولا يتوقف الأمر هنا، فاعضاء مجلس النواب يصل عددهم الى 120 عضوا، وعدد السفراء في الخارج بلغ 52 سفيرا، و52 قنصلا في سفاراتنا بالخارج، وتخيلوا أننا نملك 300 وزير ومفوض ومستشار وكلهم معينون حديثا، أما مكتب رئاسة الجمهورية فيوجد فيه 30 موظفا بدرجة وزير ونائب ووكيل، ومثلهم في مكتب رئيس الوزراء، وبنفس الدرجة، أي أن مجموعمها 60 وزيرا ونائبا ووكيلا.
مراقبون تسألوا عن ذلك الكم الهائل من الموظفين في الحكومة، وقالوا إن «البلاد في حالة حرب ومجاعة وانهيار اقتصادي وانعدام خدمات، وأصبح راتب الموظف لا يفي بأهم التزاماته.. فهل هناك حاجة لهذا الجيش الجرار من كبار الموظفين في الحكومة؟!».
جمود الانتقالي
الانتقالي الجنوبي هو الآخر ظهر جموده جليا رغم الشعبية التي يتمتع بها كونه يمثل القضية الجنوبية، حيث لم يقدم على أي خطوة انتفع بها المواطنون في عموم المحافظات الجنوبية.
فهيئة رئاسة الانتقالي الجنوبي فقط تتكون من 26 شخصية، أما أعضاء الجمعية الوطنية، التي تأسست أواخر سبتمبر 2017، فهي مكونة من 303 أعضاء يمثلون مديريات ومحافظات الجنوب، ويترأسها اللواء أحمد بن بريك، وتحتوي على لجان متخصصة، إضافة إلى فروع الانتقالي في كل المحافظات الجنوبية والشرقية.
لجنة لإنهاء الخلافات
رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الجمعية الوطنية للانتقالي السفير قاسم عسكر قال إنه «تم تشكيل لجنة لوضع خارطة طريق لإنهاء الخلافات بين القوى السياسية وتوحيد الجهود نحو الهدف الرئيس الذي فوضت الجماهير المجلس الانتقالي من أجله وهو الدولة الجنوبية المستقلة».
واشار عسكر الى انهم بدأوا يضعون خطوات لمعالجة الأمور بطريقة حكيمة، وقال «كان اجتماع الملك سلمان ومحمد بن زايد ولي العهد الاماراتي والرئيس هادي في جدة برمضان الفائت وضع خطوطا رئيسة لمعالجة كل الأحداث على الساحة الجنوبية».
ورقة سياسية
الصحفي صلاح السقلدي قال إن «دور الشرعية والانتقالي بشأن الوضع الخدمي والمعيشي المتدهور، بدون أدنى شك، سلبي وغاية بالسلبية، ويبعث على الأسى والحسرة».
وأضاف لـ«الأيام» «تلك السلبية لا يبررها تصادم المشاريع السياسية الحاصل بالساحة بين الانتقالي والشرعية، فحين يتعلق الأمر بقوت الناس وأمنهم ومعيشتهم وكرامتهم ينبغي تكاتف جهود الجميع وتنحية أية حسابات سياسية جانبا، فالهم هنا مشترك، والخاسر من هذا التدهور هو الجميع حتى وأن اعتقد طرف أن بوسعه استخدام الخدمات والأمن وغلاء المعيشة كورقة سياسية بوجه الطرف الآخر».
وتابع «المشاريع السياسية بين الشرعية والانتقالي هي مشاريع متضادة تماما، والكلام هنا موجه للانتقالي والذي يجب ألّا يتخلى المجلس عن مشروعه السياسي تحت ضغط الابتزاز المعيشي والعبث الأمني الذي تمارسه تلك القوى، ويجب أن يظل ثمة خط فاصل بين مشروعه التحرري ومشروع الشرعية الذي لا يمت هذا الأخير للجنوب بصلة حتى لا تتماهى المشاريع وتضيع البوصلة الجنوبية كما توشك أن تضيع في خضم العلاقة الضبابية بين الانتقالي والتحالف».
وأضاف «مع ذلك وجب أن يعمل الانتقالي بمسارين متوازيين بهذه الظروف بتبني هم المواطن من خلال المشاركة وتقدم الصفوف لرفع هذا الألم والعناء والمكابدة عن كاهل المواطن، وألا يتركه فريسة لعبث الفساد وطريدة لعصابات النهب وتجار المقابر، وبين تمسكه بالمشروع الجنوبي التحرري والانتصار له بعيدا عن فلسلفة التبيعة ونهج الخنوع».
وعن أحقية الطرف في إدارة أمور المواطنين أشار السقلدي الى انه «كحق سياسي افرزته التطورات التي جرت بالساحة الجنوبية منذ ما بعد حربي 94 و2015، فهو الطرف الجنوبي بمن فيه بالطبع الانتقالي الجنوبي كقوة سياسية منظمة، مع ضرورة التنويه إلى أن ثمة قوى ثورية جنوبية مخلصة بالحراك الجنوبي (الثورة الجنوبية) تقف خارج الانتقالي يجب التواصل معها ومد جسور التنسيق وقناطر الثقة، نقول هذا حتى لا يتفرد طرف جنوبي دون الآخر، ونعود الى سيرتنا الأولى من التشظي والصراع، مع التذكير أن الوضع يفرض علينا التعامل مع القوى الأخرى حتى وإن كانت بعيدة عن المشروع الجنوبي وتناصبه الخصومة، كالشرعية التي يجب التعاطي معها كقوة موجودة على الارض لا يمكن تجاهلها وذلك من منطلق مصالح الناس المتردية وتجنيبهم مزيدا من الوجع، حتى وإن كانت هذه الشرعية هي الداء بذاته، فللضرورات أحكامها».
ثروات الجنوب
بدوره، قال عضو الأكاديمية الروسية علي الزامكي أن «مسألة المقارنة بين الانتقالي والشرعية ظالمة، فالشرعية كانت دولة جاءت ضمن اتفاق تلخص في المبادرة الخليجية ومرت المبادرة بعدد من المطبات والانزلاقات قبل سقوط صنعاء بيد الحوثيين».
وأضاف لـ«الأيام»: «أما الانتقالي فهو مكون ولد من خضم المعاناة وأنتجته الأحداث المتتالية، ويحمل مشروعا نقيضا لمشروع الشرعية، وبالتالي يستحيل أن يلتقيا في نقطة واحدة رغم أن هناك قاسما مشتركا يجمعهما وهو إسقاط الحوثي».
وتابع «الشرعية تقوقعت في مربع المرجعيات الثلاث، ولم تضع في حساباتها الواقع الجديد الذي خلفته الحرب ما بعد المبادرة الخليجية، وفشل الشرعية في المناطق التي تحت سيطرتها أعطى صورة للعالم ولليمنيين في الشمال ان الحوثي هو الافضل من خلال إدخال المحافظات الجنوبية والمحررة في فوضى مدروسة».
وأوضح أن «كثيرا من المحللين السياسيين الدوليين يرون أن الشرعية تتمثل بحزب الإصلاح والرئيس هادي صك سياسي لشرعنة السياسة الحزبية للإصلاح التي كانت قائمة فترة حكم النظام السابق ولم يختفِ فيها غير صورة عفاش، أما بقية المنظومة فيها لم تتغير».
وقال الزامكي إن «الخطر الذي يهدد التحالف هو جره لمواجهة الشارع الجنوبي بهدف إطالة الحرب وهذا جدير باسقاط الثقة بين التحالف والجنوبيين، الأمر الذي سيساعد «الإخوان» في ركوب الموجة مما يؤدي إلى إخراج التحالف من الساحتين الشمالية والجنوبية وبالتالي ستنتهز إيران الفرصة إلى قطر وتركيا».
وتابع «الشماليون في الشرعية تركوا بيوتهم وممتلكاتهم ولكنهم لم يتركوا الموارد النفطية والغازية في الجنوب، وظلت قواتهم جاثمة على ثروات الجنوب ولم يحركوها لتحرير شمالهم من الحوثي، ومن يقاتل في الساحل الغربي هم الجنوبيون لتحرير الحديدة ومينائها الاستراتيجي، بينما قواتهم في حضرموت والمهرة وشبوة تبسط نفوذها على الثروات، فكان على الجنوبيين حينما طردوا قوات الحوثي وصالح تسلم مفاصل السلطة ومواردها وثرواتها وعدم تسليمها للشرعية».