أخطأتْ أصابعُهُ وجهتَها بينما كانت تتحسس نظارتَهُ في الظلام حينَ قادتهُ الصدفةُ إلى صورةٍ قديمةٍ كانَ قد رماهَا في إحدى رفوفِ المنزلِ لتشيخَ بعيدةً عن أنظارِه.
لم يستطع أن يتمالكَ نفسَهُ وهو يزيحُ كلَ تلك الأتربة العالقة عليها وكأنّما ينفضُ الغبارَ عن قلبِهِ بعد أن تكشفَ لهُ شيءٌ مِن ملامحِ حبيبته «سما» ..ارتعشتْ أطرافُهُ وتدفقتْ خفقاتُهُ بشدة.. كانت الذكرياتُ أسرعَ وصولاً مِن كرياتِ دمه.. مضت سبعُ سنين على رحيلِ تلك الملائكية التي سلبتهُ عقلَهُ وأسقتهُ يوماً مِن نبيذِ الحب..التقطَ منديلَهُ الأحمرَ مجففاً بهِ ما تبقى مِن عرقِهِ ثمَّ نهضَ محاولاً استعادةَ وعيِّهِ بعدَ أن وضعَ الصورة بينَ صفحاتِ روايةٍ قديمة كانَ قد أنهى مراجعتَها قبلَ يوم..خطواتٌ قليلة تفصلُهُ عن سريرِهِ الصغير.
نهضَ مسرعاً لارتداءِ معطفِهِ القطني بعدَ أن عزمَ الأمرَ بالخروجِ والتجولِ ليلاً في شوارعِ مدينتِه.
كثيرةٌ هي المصابيحُ التي تضررت بعدَ القصفِ على أحياءِ هذهِ المدينة..أخرجَ هاتفهُ الخلوي ليستعينَ به في الشوارعِ التي تخلو مِن مصابيحَ سليمة أو حتى مِن أضواءِ السياراتِ والمنازل.
تبدو المدينةُ كئيبةٌ جداً!!! لازلت بقايا الحرب عالقةٌ ع جدرانِ هذه المباني ورائحةُ البارودِ طالعةٌ منها أيضا..
لطالما كانت سما تعشقُ هذا المكان.. كانت تروي لي قصصاً وأساطيرَ غريبةً عنه.
- بووووووووووم ماذاااااااا؟!! أفزعتني!!!
- لا شيء!!
لا بأس، لا تخف،لا شيء يستحق الذعر . ابتلعَ ريقَهُ وفركَ عينيهِ جيداً متذكراً أن سما كانت تمازحُهُ وحسب، ثمَّ أنّهُ لا يرتدي نظارتَهُ اليوم.
وبينما هو كذلك سمعَ صوتاً مدوياً لامراةٍ تصرخُ بأعلى صوتِها،اختطفَهُ الصوتُ مِن مكانهِ وأخذهُ إلى حيثُ سقطَ ذاكَ الشعاعُ فوقَ الجسر.