> وجدي الأهدل
الإنسان المعاصر يُقدس الحياة القلقة، لم يعد غبياً كإنسان العصور البدائية الذي كان يُقدس الحياة الزوجية!
يشتري الإنسان العصري القلق الذي يبدد سكينته، وينفق أمواله بلا حساب ليضمن حصوله على حصته اليومية من القلق دون انقطاع لا سمح الله!
في الماضي كان الرجل الموسر يمضي إلى السوق ليشتري عبداً يعاونه في بعض شؤونه، ولكن هذا الزمان البغيض قد ولى، فاليوم حتى أفقر إنسان يسعى إلى السوق ليشتري عبداً متطوراً اسمه «التلفزيون». ولكن الغريب في الأمر أن هذا العبد الحداثي سرعان ما ينفث سحره، فيصبح هو السيد وكل أفراد البيت عبيداً له!
يُصاحب القلق الإنسان المعاصر في كل حالاته، ولا أستبعد أن بعض الناس ينظر إلى الساعة حتى وهو يمارس حقه الطبيعي مع زوجته!
الإنسان المعاصر كائن مختلف عن البشر الأوائل، إنه لا يشعر بالراحة إلا إذا أحاط نفسه بكل الأدوات الجالبة للقلق، بل إنه لا يعتبر نفسه منتمياً للقطيع البشري إذا لم يقلق وتتلف أعصابه!
هذا القلق الذي يُصاحب الإنسان المعاصر مع كل نَفَسٍ يتنفسه يخلق نوعاً من الجنون الخفي.. ونحن لا نلاحظ أننا مجانين لأن هذا الجنون صار جنوناً جماعياً لا يلفت النظر! ولو أتى آدمي من القرون الوسطى عبر آلة الزمن ورأى ما نحن عليه من عكوف على الكمبيوترات وتسمر أمام الشاشات وأبصر أولئك الذين يكلمون الهواء وقد وضعوا قطعة حديد على آذانهم لأدرك على الفور أن البشرية تعاني من جنون مطبق!
ومن تجربة شخصية فإن قراءة الكتب تعد علاجاً فعالاً للقلق، وكلما كان الكتاب الذي نقرؤه مثيراً لاهتمامنا انحسر القلق أو كاد يتلاشى.
القلق المتفاقم دون معالجة يؤدي إلى تدهور القوى العقلية.. ولعل انتشار مرض الزهايمر مرده أننا نعيش في عصر موبوء بالقلق.
على الإنسان أن يحيط نفسه بالكتب ويمنح صفحاتها وقتاً مساوياً للوقت الذي يمنحه لشاشات التلفاز والهاتف واللابتوب والآيباد، هذا إذا أراد حقاً أن يتمتع بالصحة العقلية والنفسية، وأن ينجو من أعراض الولع الجنوني بالأجهزة الذكية.
في الماضي كان الناس يربون في بيوتهم دواباً نافعة، وأما الآن فلا يخلو بيت من الدواب العجيبة كالهاتف النقال والأجهزة اللوحية والكمبيوترات وسواها، ويتوهم الإنسان لغفلته أن هذه الدواب الحديثة لا تحتاج إلى علف كالدواب في العصور القديمة، ولعله يحتاج إلى مقدار من اليقظة ليدرك أنه هو ذاته صار العلف الذي تتغذى عليه الدواب الحديثة المتطورة.
في الأزمنة القديمة كانت العائلة تشعر بالطمأنينة حين تسمع ثغاء أغنامها أو خوار أبقارها لأنها مصدر رفاهيتها، وكذلك نحن مع دوابنا الحديثة، فكم نشعر بالطمأنينة لأن هواتفنا ترن وشاشاتنا تلتقط البث الفضائي لنسمع ثغاء نشرات الأخبار وخوار المحللين السياسيين!
الإنسان المعاصر سمح لـ «القلق» أن يصبح جزءًا من تكوينه الفيزيائي، وسوف تظهر جينات معدلة لدى المواليد الجدد تحتوي على «القلق» بصورة وراثية، وعليه فلن تحتاج الأجيال القادمة إلى دفع النقود لتحصل على نصيبها من القلق.
الإنسان المعاصر كائن مختلف عن البشر الأوائل، إنه لا يشعر بالراحة إلا إذا أحاط نفسه بكل الأدوات الجالبة للقلق، بل إنه لا يعتبر نفسه منتمياً للقطيع البشري إذا لم يقلق وتتلف أعصابه!
هذا القلق الذي يُصاحب الإنسان المعاصر مع كل نَفَسٍ يتنفسه يخلق نوعاً من الجنون الخفي.. ونحن لا نلاحظ أننا مجانين لأن هذا الجنون صار جنوناً جماعياً لا يلفت النظر! ولو أتى آدمي من القرون الوسطى عبر آلة الزمن ورأى ما نحن عليه من عكوف على الكمبيوترات وتسمر أمام الشاشات وأبصر أولئك الذين يكلمون الهواء وقد وضعوا قطعة حديد على آذانهم لأدرك على الفور أن البشرية تعاني من جنون مطبق!
أثمة طرق للشفاء من مرض العصر؟ بكل تأكيد هناك طرق عديدة، منها ممارسة التأمل، والرياضة البدنية، وقراءة الكتب.
القلق المتفاقم دون معالجة يؤدي إلى تدهور القوى العقلية.. ولعل انتشار مرض الزهايمر مرده أننا نعيش في عصر موبوء بالقلق.
على الإنسان أن يحيط نفسه بالكتب ويمنح صفحاتها وقتاً مساوياً للوقت الذي يمنحه لشاشات التلفاز والهاتف واللابتوب والآيباد، هذا إذا أراد حقاً أن يتمتع بالصحة العقلية والنفسية، وأن ينجو من أعراض الولع الجنوني بالأجهزة الذكية.