> د. مروان هائل عبد المولى
يمكن للشخص أن يعيش كل حياته داخل مدينته أو قريته ولا يجد وطنه، ليس لأنه بلا وطن، وإنما بسبب أن بعض الجماعات المذهبية والسياسية والقبلية المستبدة، تعمل على محو هويته الوطنية وتقاليده الاجتماعية، وتلغي من روحه الشعور بالوطن، الاعتزاز به، وتمسح من خارطته الذهنية حلم رؤية دولة النظام والقانون، لأن الوطن بالنسبة لهذه الجماعات حيز جغرافي خاص بها، ونظام الدولة السياسي يجب ألّا يتجاوز أشخاصها وحاشيتها، والبقية مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة تابعون لها، وصالحون للدفاع عنها وعن كرسي حكمها.
نظام الإمامة في الشمال واحد من هذه الأنظمة، التي عملت على نشر التخلف والجهل والهيمنة الذهنية على المواطنين، وسلخ الوطنية عن غالبيتهم، وإجبارهم على الخضوع للإمام وعائلته وهضبته وحاشيته وحتى أصغر العكفة، استمرت مسيرة النظام الخضعي وتقديس الحاكم حتى بعد ثورة 26 سبتمبر، وتغيرت فقط المسميات القديمة إلى جديدة، منها الجمهورية، والمسيرة القرآنية، والسيد، والشيخ، والزعيم، الذين واصلوا تطبيق سياسة العقل المغلق للمواطن، التي تعتبر سبباً في استعباد الإنسان، وتحويله إلى آلة خاضعة ليس إلا.
- قلة الوعي والشعور الوطني، وفقدان الدعم الداخلي الشعبي، بسبب تشتت وتنوع الانتماءات بين المذهب والقبيلة والشيخ والسيد والزعيم.
- تكديس السلاح والقوة والاستخبارات، وبرامج التعليم والمال، ومهمة توزيع المناصب والوظائف والتسهيلات، في أيادي جماعة الهضبة.
في وقتنا الحاضر لا أحد يتكلم عن الانتماء الوطني، فهناك جولة جديدة من حروب وانقلابات هذه الهضبة السوداء ضد الوطن والإنسان والشجر والحجر، هناك حرب تدور رحاها بين طرفين، الأول يسمى الشرعية، مزيجاً من أبناء الجنوب، وأبناء قبائل ومحافظات الشمال كآفة، من بسطاء ونخب وضباط الهضبة المنشقين عنها، والطرف الثاني ليسوا فقط من الحوثييين الجماعة الدينية المذهبية الجاهلة، وإنما أيضا بقايا جنود وضباط عفاش، والإصلاح، ومجاميع كثيرة من البسطاء تقاتل معهم، هؤلاء البسطاء البعض منهم يقاتل من أجل المال، وآخرون تحت تخدير الحوثنة، ووعود الجنة، والثالث هم طبقة من ملاك الوعي البسيط، الذين يقاتلون أحياناً بشراسة تحت تأثير حالة ذهنية مشوشة مرتبطة بمسقط الرأس، وباسم الدفاع عن الجمهورية العربية اليمنية وعاصمتها صنعاء، يقاتلون في سبيل بلادهم الأم، وهم لا يعلمون في الأساس بأنهم يقاتلون في سبيل لصوص الهضبة، وسيد يختبئ في كهف، ومثل هؤلاء البسطاء المدافعين عن الجمهورية العربية اليمنية هناك نسخ منهم، حتى في صفوف الشرعية وقواتها الزاحفة من جبهات نهم ومأرب والجوف والبيضاء وتعز وصرواح، لأن الوطنية الحقيقية إنسانية بطبيعتها، والانتماء للوطن عند البعض يُكتسب من تلقاء ذاته.