> تقرير/ بسام القاضي
تجلس سيدة تدعي ذكرى علي، من منطقة (ريمة) بمديرية المسيمير المجاورة لمنطقة (شان) في مديرية الأزارق بمحافظة الضالع، إلى جانب طفليها (غسان، وعرفات) بقلق بالغ وخوف يتملك جسدها النحيل من فقدان أحد طفليها أو حتى كلاهما، واللذان يعانيان المرض وسوء التغذية منذ الولادة.
تقول أم (غسان، وعرفات): "لا أستطيع تحمل رؤية أطفالي بهذا الشكل، لا توجد أم تتحمل ذلك، أعجز عن وصف شعوري ويأسي في كل مرة أرى فيها طفليَّ بهذا الوضع المبكي والمؤلم في آن واحد".
وأضافت لـ«الأيام»: "لا أستطيع تحمل فقدان أطفالي، أبذل كل ما بوسعي لأتمكن من إنقاذ حياتهما، لكن ما في اليد حيلة فنحن أسرة فقيرة، ونسأل الله أن يحول لنا بمن يتكفل بمساعدتنا في علاج طفلينا وألا يرى أطفال المسيمير أي شر".
وتابعت: "غسان مصاب بالمجاعة وسرطان الغدد، وعرفات مصاب بانسداد مجرى التنفس، ونحن نتوجع كل ثانية وكل لحظة وكل يوم على حالهما، ونقف عاجزين عن فعل شيء لهما".
فجأة تتوقف أم (غسان، وعرفات) عن الحديث والدموع تنهمر من عينيها كالمطر ولم تعد تستطيع إكمال حديثها معنا، فتغادرنا بوجع لا يضاهيه شيء.
وحدها صورة الطفل (غسان قائد)، الذي يبلغ من العمر عامين، تعكس حجم كارثة المجاعة وسوء التغذية بين أوساط أطفال المديرية التي تعد ثاني أفقر المديريات بالجنوب بعد مديرية الأزارق وحالها لا يسر صديقا ولا عدوا.

قسوة الحياة
الطفل ياسين قائد هائل هو الآخر مصاب بالمجاعة وحاله لا تقل عن حال الطفل غسان، ومثلهما المئات من أطفال المسيمير الذين تنهش أجسادهم النحيلة المجاعة وسوء التغذية والأوبئة والأمراض القاتلة.
كارثة المجاعة وانهيار اقتصاد البلد أكبر من كارثة حرب الحوثيين التي تستعر للعام الرابع على التوالي في اليمن وأكثر ضحاياها هم الأطفال.
صورة الطفل ياسين، التي تجسد هيكلا عظميا لطفل بدون لحم وهو من أسرة فقيرة بالمسيمير نزحت إلى (عقان) قبل 3 أعوام من منطقة الحويمي بكرش بسبب حرب الحوثيين في مارس 2015م.
تعيش أسرة ياسين منذ نزوحها من قريتها بـ(الحويمي) في كرش إلى (عقان) وحتى اللحظة في كوخ وخيمة لا تصلح للعيش والسكن فيها لأيام، والد (ياسين) عاطل عن العمل وهو خريج جامعي يعمل متعاقداً في أحد مدارس يافع براتب ضئيل لا يكفي لقوت أسبوع واحد لأسرته.
وتعاني أسرة الطفل ياسين قائد، وهي أسرة كبيرة وفقيرة، ويلات الحرب والنزوح وتتجرعه كل يوم وكل لحظة وهي بانتظار من ينتشلها من وضعها ذلك منذ ثلاثة أعوم مضت ولازال الأمل يحدو تلك الأسرة بأن يزيح الله كربتهم وتتوقف الحرب ويعيدون إلى منزلهم ذلك بالحويمي.

ثاني أفقر المديريات الجنوبية
المشاهد المؤلمة لأطفال المسيمير المصابين بسوء التغذية الحاد مبكية ومحزنة جداً، وحجم المعاناة لا يمكن تخيلها، وما تلك القصص سوى غيض من فيض لقصص كثيرة جداً تعد مثالا حيا على فداحة المعاناة الكبيرة التي يعيشها أطفال المنطقة المنسية وأحد أفقر المديريات في البلاد، وثاني أفقر المديريات بالجنوب بعد مديرية الأزارق.

أرقام فضيعة
من جانبه أكد مدير مكتب الصحة في مديرية المسيمير د. محمد السيد لـ«الأيام» انتشار حالات سوء التغذية في جميع قرى المديرية، وتسجيل أكثر من 3700 حالة مصابة بسوء التغذية لما دون سن الخامسة للفترة من يناير حتى أكتوبر 2018م، فقط منها ما يقارب الـ 2700 حالة سوء تغذية متوسط "مام" وأكثر من 981 حالة سوء تغذية حاد "سام".
وسجل متوسط الإصابة الشهرية للأطفال لما دون سن الخامسة بسوء التغذية حاد "سام" 85 طفلا، بمتوسط إصابة يومية ثلاثة أطفال حالة سوء تغذية حاد بواقع إصابة طفل لكل 8 ساعات.
بينما تسجل شهرياً 225 حالة إصابة سوء تغذية متوسط "مام" وبواقع 8 إصابات سوء تغذية يومياً، بمتوسط إصابة طفل لكل 3 ساعات، وهي أرقام كبيرة ومفزعة جداً تشير إلى اجتياح المجاعة المسيمير، وهي تعد ثاني أفقر مديرية بالبلاد وحالها لا تقل عن حال مديرية الأزارق بالضالع.
ويزيد عدد سكان المسيمير عن 40 ألف نسمة، وفقاً لمدير الصحة، فيما سجل عدد الأطفال ما دون الخامسة 6300 طفل، وعدد النساء والفتيات في سن الإنجاب 7300 امرأة، وعدد مواليد هذا العام 1300 مولود.
ويرى د. السيد بأن الوضع الصحي والبيئي في المسيمير كان سيصبح أسوأ مما هو عليه الآن لولا تدخل بعض المنظمات الدولية في المديرية، داعياً المنظمات الدولية إلى التدخل في المواقع الصحية المتبقية.
وأكد السيد حاجة المديرية إلى دعم مستدام ومشاريع استراتيجية تشمل الأمن الغذائي والصحة والمياه والإصحاح البيئي.
ويفيد السيد بأن "دور الحكومة والسلطات المحلية انحصر فقط في تسهيل مهام عمل المنظمات الدولية وتدخلها للعمل في المديرية"، لافتاً إلى أن إبرز الاحتياجات بالنسبة للجانب الصحي للمديرية تتمثل في توفير أطباء عموم وأطفال، وتوفير الأدوية بشكل كاف ومستمر.

مدير مكتب الصحة في مديرية المسيمير د.محمد السيد بجانب الصحفي بسام القاضي
ما خفي كان أعظم
بدوره، يقول منسق المنظمات الدولية بسام الطميري لـ«الأيام»: "إن الوضع الإنساني بمديرية المسيمير مؤلم وقاسٍ جدا، كون أغلب الأسر تعيش تحت خط الفقر لأسباب عديدة"، مشيراً إلى أن الصور التي تم نشرها لأطفال المديرية هي ما استطاعت عدسات الكاميرا الوصول إليها فقط، وما خفي كان أعظم، حد تعبيره.
وأرجع الطميري أسباب اجتياح المجاعة وسوء التغذية للمديرية إلى أكثر من سبب، كما يقول، فمنها أسباب سياسية تتعلق بالحرب وما نتج عنها من فقدان أغلب الأسر مصادر عيشها، وأسباب اقتصادية وبيئية ومناخية، حيث تسبب الجفاف بإتلاف المزارع وموت الأغنام والنحل التي تعد مصدر دخل لكثير من الأسر في الأرياف، إلى جانب انهيار العملة وارتفاع الأسعار بشكل جنوني.
واعتبر الطميري مديرية المسيمير منكوبة بالمجاعة وموبوءة بنفس الوقت بالأمراض مثل الإسهالات والملاريا وحمى الضنك وسوء التغذية وغيرها من الأمراض، مشيرا إلى ازدياد حالات الإصابة بالسرطانات والفشل الكلوي وغيرهما من الأمراض المزمنة.
وقال الطميري إن "مواجهة كارثة المجاعة وسوء التغذية التي تجتاح المديرية، تأتي من خلال زيادة حصة المديرية من المواد الغذائية المقدم من برنامج الأغذية العالمي وتمديد المشروع حتى يغطي أكثر عدد من الأسر الفقيرة، إلى جانب استمرار استهداف الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد".
ودعا المنظمات التي تعمل في مجال دعم المشاريع الصغيرة والمستدامة، والتي تهدف إلى تحسين مستوى دخل الأسرة وتوفير فرص عمل لها، إلى التدخل الجاد والفعلي في المسيمير وانتشال الأهالي من الوضع الكارثي الذي يكابدونه، مطالبا السلطات المحلية بالقيام بواجبها تجاه المديرية.
واستعرض الطميري جملة من المشاكل التي تواجهها المسيمير بعضها تتعلق بالإصحاح البيئي مثل شبكات الصرف الصحي وعدم صلاحية مياه الشرب، وأخرى تتعلق بالوضع المعيشي ومصادر دخل المواطن كالزراعة وتربية النحل والماشية وغيرها.
وقال إن "دور شركة مصنع إسمنت الوطنية الإنساني تجاه مديرية المسيمير سلبي جداً، رغم ما تنتجه مخلفات المصنع ومحطة الفحم الحجري من إصابات مرضية وتشوهات خلقية للمواليد، وأمراض سرطانات، خصوصاً القرى المجاورة والقريبة من المصنع".
وطالب الطميري بإلزام الشركة الوطنية للإسمنت بالقيام بواجبها الحقوقي والإنساني من حيث استيعاب أكبر قدر من الخريجين من أبناء مديرية المسيمير، وكذلك علاج مرضى الفشل الكلوي والسرطان، وتعويض السكان القريبين من المصنع الذين تضرروا من مخلفات المصنع المضرة للبيئة وصحة الإنسان.

90 % تحت خطر الفقر
حال الأهالي في مديرية المسيمير بلحج صعب جداً فأكثر من 90 % من سكان المديرية يعيشون تحت خطر الفقر، وحالهم لا تقل عن حال الأزارق، فالفقر والمجاعة وسوء التغذية وانتشار الأوبئة والأمراض القاتلة قواسم مشتركة بين المسيمير والأزارق أفقر منطقتين في الجنوب واليمن عامة.
ووفقا لتقرير منظمة الطفولة "يونيسيف" فإن اليمن تُعد واحدة من أسوأ الأماكن في العالم بالنسبة لأي طفل، حيث يشير التقرير ذاته إلى حاجة ما يزيد عن 11 مليون طفل إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة.
ويعاني ما يقارب 1.8 طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، بينهم نصف مليون طفل تقريباً يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهي حالات مهددة للحياة، وفقا لتقرير اليونسيف ذاته.
