> «الأيام» عن العرب
لـ«العقيق اليماني» أسرار وأساطير كثيرة يعرفها اليمنيون ومن يهتم بهذا المعدن النفيس من العرب، وفيه من الخصائص الفنّية ما يشد انتباه من يراه من حيث ألوانه الأخّاذة وأحجامه النادرة، إلى جانب الزخارف التي يتفنن في نقشها الحرفيون من صور وأشكال ورسومات متعدّدة، لكن صناعته اليوم تقاوم الاندثار رغم حب اليمنيين له، بسبب جمود نشاط تجارته خاصة من قبل اليمنيين الذين انشغلوا عنه بسبب غلاء المعيشة.
وتعد مهنة صناعة العقيق في اليمن، من الحرف اليدوية المتوارثة منذ مئات السنين، والتي عمل فيها جيل بعد جيل.
والعقيق اليماني، هو نوع من الحجارة الكريمة، يتم استخراجه من عدة جبال في البلاد، بطريقة يدوية وجهد ذاتي، عن طريق الحفر من قِبل المواطنين، قبل أن يتم تحويله إلى مصوغات وخواتم وأحزمة وسلاسل للزينة الجسدية، وكذلك في صنع الخناجر القديمة التي تسمى يمنياً بـ «الجنابي».

وتعدّ صناعة العقيق في اليمن من الحرف التي تشتهر بها مدينة صنعاء القديمة على وجه الخصوص، وتلقى رواجاً كبيراً داخلياً وخارجياً.
وبسبب أهمية العقيق، سبق أن تغنّى به الشعراء والمطربون في اليمن على مدى القرون الماضية، واستخدمت مفرداته للتعبير عن الحب والجمال والوئام وَلَمّ الشمل.
وفي العاصمة اليمنية صنعاء، خصوصاً المدينة القديمة وحي باب اليمن، لا تزال تتواجد العديد من المحلات التجارية، المليئة بأصناف مختلفة من العقيق، والتي كانت قبل سنوات تعتبر مزاراً مهماً للسياح من مختلف أنحاء العالم.
إقبال الناس
يقول ياسر شرهان، وهو مالك محلات «ملك العقيق اليماني» في حي باب اليمن بصنعاء: «إن إقبال الناس على شراء العقيق لا يزال مستمراً، رغم ظروف الحرب التي أثّرت على الكثير من القطاعات في البلاد».
وأضاف، أنه يتم تصدير العقيق اليماني إلى الخارج، في حين يقوم بعض الهواة للعقيق اليماني بطلبه من اليمن، ويتم إرساله إلى عدة دول بحسب المواصفات المرغوب فيها.
ولفت إلى أن العقيق يتم استخراجه من الجبال اليمنية، وجلبه إلى المعامل الخاصة بالصناعة، من أجل التصفية من الأتربة والتنقية والتنظيف، ومن ثم تتم عملية القطع والتشكيل المناسبين، قبل أن تأتي المرحلة النهائية التي يتم فيها تلميع المصنوع، لافتاً إلى أن صناعة العقيق تتطلب أيضاً بعض الآلات والمناشير.

وذكر أنه تمت «صناعة الخواتم والعقود والأحزمة والجنابي من العقيق».
وعبر شرهان عن فخره بالعقيق اليماني الذي وصفه بأنه «من أفضل أنواع العقيق في العالم».
وأوضح أنه لجأ إلى الإعلان الممول عن منتجات وصناعات العقيق في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل إيصال تراث وثروات اليمن الجمالية إلى العالم، وذلك باللغتين العربية والإنكليزية.
صناعة العقيق
وتبدو صفاء فقيه، وهي تعمل على صناعة «العقيق اليماني» وأحجار كريمة أخرى، منعزلةً عن محيطها، وغارقةً في جوٍ من الهدوء والتركيز بعيداً عن الحرب التي تمزق بلدها الفقير منذ سنوات.
ورغم الدم الظاهر تحت أظافرها، تدخل الشابة اليمنية الجريئة بيديها العاريتين، حجر عقيق أزرق في النار المتوهجة، ثم تديره برفق وهي تضعه في القالب المخصص له.
وتمر دقائق يتحول إثرها الحجر من جسم غير متوازٍ، إلى حجر أوجهه متناسقة وتامة، يلمع في الضوء بشكل مبهر.
رغم الظروف الصعبة التي تمر بها صنعاء خصوصاً، واليمن عموماً، استمرت صفاء في مزاولة الحرفة التي تحب، لتصنع على مدى سنوات مئات الأحجار الكريمة عند طلب الزبائن.

واستطاعت صفاء مع زميلات أخريات أن يدرسن المهنة في مؤسسة حكومية رغم معارضة البعض، ويتخرجن منها في العام 2011م.
أدت الحرب إلى تأثيرات سلبية كبيرة على مختلف القطاعات في البلد الفقير، وقد كان لصناعة العقيق نصيب من هذه الآثار.
مصدر دخل
ويقول الشاب اليمني إبراهيم عبد الله جحوش: «إنه يعمل في صناعة العقيق والفضيات بالعاصمة صنعاء، مشيراً إلى أنه تعلم هذه الحرفة على يد والده».
وأضاف «إن إخوته أيضاً يعملون في الحرفة ذاتها، ويتم الاعتماد عليها معيشياً.
وتابع «قبل الحرب، كانت تجارة العقيق مزدهرة، وكانت أصناف العقيق النادرة من المستحيل أن نحصل عليها مثل الوقت الحالي».

وأوضح «الآن هناك الكثير من الأصناف النادرة في العقيق، ونحاول نشرها، لكن لا نحصل على إقبال إيجابي، ولا نستطيع نشرها بكثرة في السوق، كي لا تقل قيمتها المادية والمعنوية، ونحاول عرضها على الزبائن المميزين». وبيّن، أنه يعتمد في رزقه على صناعة العقيق، لكن ما زال العمل والإقبال ضعيفين.
وخلفت الحرب المشتعلة في اليمن تدميراً كبيراً للعديد من الآثار القديمة في عدد من مناطق البلاد، كما ألقت بانعكاساتها السلبية على الاهتمام والعناية بالجانب التراثي في مجالات متعددة.
عدم الاهتمام بالتراث
ويقول المواطن منصور الصلوي: «إنه لم يعد هناك اهتمام واضح من قبل اليمنيين بالجانب التراثي أو الجمالي، نتيجة للظروف الصعبة التي خلفتها الحرب، والتي أدّت إلى اهتمام المواطن بدرجة أساسية في شراء الأشياء الأساسية».

ومضى بالقول: «ارتداء الخواتم الفضية أو العقيق، أصبح في ظل الحرب نوعاً من الرفاهية عند الكثيرين».