> تقرير/ خاص

على امتداد عدد من شوارع صنعاء عاصمة سلطة الانقلاب الحوثية تنتشر لافتات عملاقة لمآسي تسطرها الجماعة للمجتمع اليمني بمختلف اتجاهاته ومكوناته، فمنذ انقلابها عملت على إدخال الأسى والحزن إلى كل بيت يمني.
أينما يولي المرء وجه في صنعاء يشاهد لوحات كبيرة لصور قادة عسكريين كانوا في وقت من الأوقات ضمن هيكل المؤسسة العسكرية اليمنية، أو لقادة من الجماعة، في الوقت الذي تخفي فيه صور رموز فيها، للتأثير الكبير الذي يشكلوه في الحركة، والإعلان عنهم يُمثل ضربة كبرى لها، بحسب محللين ومختصين.

كل زاوية في «صنعاء القديمة» تحكي عن انتهاك صارخ للانقلابيين وتعديًا على الحرمات وتجاوزها لكل القيم والأعراف والقوانين والمواثيق.
آلاف من القتلى تنتشر صورهم وأسماؤهم في كل جدران المدينة، تطلق عليهم الجماعة (شهداء) وتدون أسفل كل صورة اسم القتيل والمنطقة التي ينتمي إليها والمكان الذي قتل فيه، قتلى سفكت دماؤهم في مختلف أراضي البلاد لتحقيق أهداف الجماعة.

أسبوع الشهيد
ويحتفل الانقلابيون هذه الأيام بما اسمته بـ «أسبوع الشهيد» في محاولة لإشعال روح الحماس في انصارها لاستقطاب المزيد لمحارق الموت تحت ذريعة الدفاع عن الأرض.
وتتعمد قيادة الجماعة إخفاء حقيقة أعداد قتلاها بطرق كثيرة، منها من خلال ما تعرضه في المعارض التي تقيمها في المناطق والمحافظات، وكشفت مؤخراً في الاحتفاء بذكرى الشهيد السنوية والذي أقامته منذ أيام بمحافظة إب بأن عدد قتلاها من أبناء المحافظة منذ سبتمبر 2014م بلغ نحو 1900 مسلح، معظمهم من الأطفال، ووفقاً للانقلابيين فإن قرابة 650 قتلوا خلال العام الماضي، فيما تشير مصادر لـ «الأيام» إلى أن أعداد القتلى الأعوام الماضية وفق إعلام الحوثيين وصل نحو 1250 قتيلا.

ونشرت الجماعة الانقلابية معرضاً لصور قتلاها من المحافظة، ضمن سلسلة من الأنشطة المتزامنة مع «أسبوع الشهيد».
وبحسب وسائل إعلام الحوثيين، فإن المحافظ المعين من قبلهم والمشرف في المحافظة وعدد كبير من الوكلاء فيها افتتحوا المعرض الذي يحتوي على نحو 1900 صورة قتيل من أبناء المحافظة، إضافة إلى مجسمات عما سموه بـ «جرائم العدوان في اليمن»، بالتزامن مع تدشين معارض مصورة أخرى مماثلة في مديريات: حبيش، والقفر، والمشنة.

انتشار لمعارض صور القتلى  
ساحات عامة وحدائق ومتنزهات حولها الحوثيون إلى معارض لقتلاهم، وعلى مستوى كل مديرية ومنطقة تقع تحت سيطرتهم، ففي أمانة العاصمة تنتشر خيام أشبه بمخيمات الأفراح في عدد من الساحات وبضعة أفراد هم من يقومون بزيارة هذه الأماكن التي يحميها عدد من الأشخاص المدججين بالسلاح، كما تحتوي على مجموعة من الكراسي وشاشة تلفزيونية، والملفت فيها أنها مكان لمكوث عدد من أفراد الأمن الوقائي الخاص بالجماعة، الذين ينتشرون في كل حي وحارة على هيئة (مجانين).

يقول أمين عبده علي: «إن هذه الأماكن ليست سوى مصدر للفوضى والإزعاج لأبناء المناطق السكنية المجاورة، حيث لا يتوقف مرتادوها من ترديد الزوامل والأناشيد الخاصة بالجماعة طوال ساعات الليل والنهار، والسجن مصير من يعترض أو يعبر عن انزعاجه، كما حدث لـ(معتز يحيى) حينما عبّر عن سخطه لمشرف المخيم عن انزعاجه من استمرار تريد الزوامل أثناء رفع أذان الظهر من أحد المساجد القريبة منهم».

ويقول معتز في سرد حكايته لـ «الأيام»: «لقد فوجئت أثناء حديثي مع مشرف المخيم الحوثي، بقيام الحراسة بالتهكم عليّ واتهامي بالمرتزق مع العدوان وبالداعشي، قبل أن يأخذوني إلى القسم والتحقيق معي لمدة شهرين وخمسة أيام مصحوبا بالتعذيب وسوء المعاملة».

رعاية أم قتل؟
تزعم جماعة الحوثي بأنها تُولي أسر ما تسميهم «الشهداء»، اهتمامًا خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتردية في الوقت الحالي.
وتسبب توقف عملية صرف المرتبات من قبل الانقلابيين، وتوقف الدورة الاقتصادية، بوصول معظم الأسر إلى حافة المجاعة، بل موت البعض جوعًا في ظل غير المبالاة من سلطات الحوثي وسياسة التجويع التي تنتهجها لإجبار الشباب بالالتحاق بالقتال في جبهاتها، مقابل قليل من المال لأسرهم الذي سرعان ما ينقطع بعد مقتله في إحدى جبهاتها.

وهو ما تؤكده الحاجة أم محمد والتي نفت في حديثها لـ «الأيام» مزاعم مسؤولي ما تسمى «مؤسسة الشهداء» الحوثية الاهتمام بأسر الشهداء بالقول: «ذهب ابني مع مشرف الحوثيين (أبو علي) إلى منطقته الواقعة بحي (مسيك) بصنعاء حيث غسلوا دماغه بالذهاب للجهاد معهم، وهناك قتلوه وحالياً لا يوجد أحد يعولني»، ما تزال هذه المرأة الستينية غير مصدقة نبأ مقتل ابنها، وتقول وهي تمسح دموعها المنهمرة من عينيها «ما زلت انتظر قدومه وطرقه للباب».

رحل محمد برفقة عدد من أبناء حارته الذين تم خداعهم بأكاذيب الحوثي ومزاعم قتاله للصهاينة والأمريكان.. لكن عددا من الشباب تأكدوا بعد عودتهم من الجبهات بأنهم لا يقاتلون إلا يمنيين.
وتضيف أم محمد في سرد مأساتها لـ «الأيام»: «منذ عام تقريبًا جاء إليّ مشرف الحوثيين، المدعو (أبو علي) بخبر استشهاد ابني الوحيد، والذي كان يعولني وثلاث من أخواته، وطلب مننا أن نزغرد فرحاً لاستشهاده».

فيما يقول خال محمد: «بعنجهية جاء المشرف ليُلزم أهل القتيل بالفرح لموته، ومصطحباً معه سلة غذائية مكونة من نصف كيس بر مطحون، قطمة أرز، وسكر، وجالون زيت فقط، مع مبلغ (50) ألف ريال كمصاريف دفن وعزاء».
وتشير أم محمد إلى أنها تلقت وعوداً من المشرف الحوثي بصرف راتب ابنها الشهيد مع سلة غذائية شهرية، غير أنها لم تلقَ حتى الآن أي شيء من تلك الوعود.

مفاجأة بالموات
وفي الوقت الذي كانت فيه أم أحمد تحضر ملابس ابنها المدرسية استعدادا للعام الدراسي الجديد فوجئت بعرض صورته ضمن أعداد قتلى الجماعة في جبهة نهم شرقي صنعاء.
انهارت أم أحمد أمام جثة طفلها الذي لم يتجاوز الـ12 من عمره، في مشهد أشبه بالخيال، وهي قصة واحدة من بين مئات القصص التي ترددها عائلات في مناطق سيطرة الحوثيين.

يقول إسماعيل الجندبي، وهو أحد أقارب الطفل أحمد: «بينما كانت أم أحمد حسين تقوم بجمع كتبه لإرجاعها للمدرسة وتستعد لتنفيذ إجراءات نقله إلى الصف السادس طرق عليها بعض الجيران الباب وأعطوها صورة قامت جماعة الحوثي المسلحة بتوزيعها تثبت حقيقة مصرع طفلها في جبهة نهم وهو يقاتل في صفوف الجماعة، الأمر الذي تسبب بصدمة نفسية لجميع أفراد الأسرة وخاصة والدته التي لا تكاد تصدق الخبر إلا بعد مشاهدة طفلها جثة هامدة لا تكاد تعرفها».

وفي سؤال عن معرفة أسرة الطفل وقتاله مع الحوثيين أجاب الجندبي: «للأسف كان والد الطفل يتصل بجماعة الحوثي ويسأل عن طفله ويردون له بأن أحمد لا يقاتل معهم، وليس موجوداً في جبهات القتال وإنما يقف في نقطة أمنية داخل العاصمة صنعاء».. مؤكداً أن «الحوثيين كذبوا على الأسرة، بعد أن قامت الجماعة بغسل دماغ أحمد واستدراجه إلى جبهات القتال دون علمه لأدنى الفنون القتالية».

محارق الموت
وتزج جماعة الحوثي بالمئات من الأطفال إلى محارق الموت في معاركها العبثية، سواء في الحرب التي تشنها على المدن اليمنية أم في الحدود مع السعودية.
وتحذر منظمات إنسانية، محلية ودولية، الحوثي من تجنيد الأطفال، لكن الجماعة ما تزال مستمرة في عمليات التجنيد، بدليل الصور التي تأتي من جبهات القتال لأطفال لقوا مصرعهم في الحرب.

ويواصل الانقلابيون استدراج الأطفال من مدارس وشوارع العاصمة صنعاء تحت إغراء المال والسلاح.

اختطاف للأطفال
وبحسب مصادر «الأيام»، فإن الحوثيين يلجؤون لاختطاف الأطفال في حال لم تنجح معهم إغراءات المال.. مؤكدة أن العديد من الأطفال قتلوا في الجبهات وهم يقاتلون في صفوف الجماعة دون علم أهاليهم.. مشيرة في السياق إلى أن أحد القيادات في المليشيا استدرج ثلاثة أطفال دون سن الخامسة عشر من جوار مدرسة صلاح الدين بمديرية معين في صنعاء، واقتادهم إلى جولة عمران ليتم بعدها نقلهم إلى إحدى الجبهات.

وكثّفت جماعة الحوثي مؤخراً من إقامة الندوات ومعارض الصور وإنفاق الملايين عليها في الوقت الذي تحرم فيه الموظفين الحكوميين الواقعين تحت سيطرتها من مرتباتهم أو بمصادرة نصفها.