> كتب/ محمد حسين الدباء
غادر الرقيات أرض الجزيرة بعد موت يزيد بن معاوية واتجه إلى فلسطين، وعندما تولى مصعب بن الزبير ولاية العراق إبان حكم أخيه عبدالله بن الزبير للحجاز توجّه إليه يؤيده ويمدحه إلى أن قتل في معركة دير الجاثليق سنة 71 هجري (782) ميلادية.. ويتحدث الشاعر عبيد الله بن قيس الرقيات عن هذه المرحلة فيقول: «خرجت مع مصعب بن الزبير حين بلغه شخوص عبدالملك بن مروان إليه، فلما نزل مصعب بن الزبير بمسكن ورأى معالم الغدر ممن معه دعاني ودعا بمال ومناطق فملأ المناطق من ذلك المال وألبسني منها وقال لي: انطلق حيث شئت، فقلت: لن أنطلق إلى أي مكان.. بل أنا باقٍ معك، قال: اسمع يا عبيد الله انتهى الأمر وأنا مقتول لا محالة فانج بنفسك، فقلت: واللهِ لا أتركك وسأقاتل إلى جانبك، فقال: أقول لك انتهى الأمر لا فائدة يا عبيد الله خذ المال وانطلق، فقلت: والله لا أفعل معك حتى الموت.. وبالفعل أقمت معه حتى قتل، ثم مضيت إلى الكوفة، وطرقت أول باب قاصدا التخفي، وكانت تسكن تلك الدار امرأة تدعى كثيرة قيل لي: إنها أنصارية.
فأقمت عندها أياما عديدة متخفيا عن عيون عبدالملك بن مروان وبطش الحجاج بن يوسف الثقفي.. وعندما تركت بيت كثيرة لم أسألها ولم تسألني.. فقلت فيها:
فليتَ كثيرةَ لم ألقها *** كثيرةَ أختِ بني الخزرجِ
وما كلمتنا ولكنها *** جَلَتْ خلقةَ القمرِ الأبلجِ
ثم توجهت إلى المدينة المنورة قاصدا دار عبدالله بن جعفر بن أبي طالب متلثما وحين آنست خلو الدار إلا منه دخلت وأزلت لثامي قائلاً: عبدالله بن جعفر أنا عبيد الله بن قيس جئتك عائذا مستجيرا طالبا حمايتك، فقال لي: ويحك يا عبيد الله إنك مطلوب لديهم وهم حريصون على الظفر بك وقتلك.. فماذا أنت فاعل، فقلت: سأكتب إلى أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان فهي زوجة الوليد بن عبدالملك وعبد الملك يحبها كثيرا ولا يرد لها طلبا.
ورغم أن عبدالملك بن مروان عفا عني، وأصغى إلى قصيدة نظمتها في مدحه، إلا أنه ظل متوجساً مني، لا يستطيع أن ينسى ماضيّ الذي كنت فيه مؤيداً لعبد الله بن الزبير.. في بعد أن فرغت من قول قصيدتي التي قلت فيها:
توقعت أن يكافئني ويكرمني.. ولكنه بدلاً من ذلك قال لي: يا ابن قيس تمدحني بالتاج كأني من العجم وتقول في مصعب:
إنّما مِصعـبٌ شهابٌ مـن الله *** تجلّت عــن وَجهِهِ الظلماءُ
ملكـُهُ ملك عزةٍ ليسَ فيهِ *** جبروتٌ ولا به كبرياءُ