> د. أماني الطويل
بيئة جنوب البحر الأحمر هي الأخطر من حيث التهديدات الأمنية وطبيعتها وتأثيراتها بشكل عام ومستوى تداعياتها على دول القرن الأفريقي والخليج العربي.
شهد البحر الأحمر ومضيق باب المندب، تصاعدا للتهديدات غير مسبوق للأمن وحركة التجارة العالمية، كما يهدد كل من عناصر الأمن الخليجي بشقيه السعودي والإماراتي، فضلا عن تهديد حركة التجارة عبر قناة السويس لمصر، حيث يبرز التطور التكنولوجي المرتبط بالألغام البحرية كأداة فاعلة في تصاعد هذا التهديد.
عدد من العوامل كانت محركا لارتفاع مستويات التهديد، منها الحرب في اليمن والتمدد الإيراني عبر ثلاثة عقود في البحر الأحمر، وأيضا القرصنة البحرية التي برزت خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، والمترتبة على انهيار الدولة في الصومال وطبيعة الطموح السياسي لحركة الشباب الإرهابية.
وقد شكل النفط والطموح الإيراني الإقليمي على حساب دول الخليج متغيرين أساسيين، أسهما في تحولات أساسية بأفريقيا، إذ برزت أهمية البحر الأحمر كناقل لمصادر الطاقة، وتعززت العلاقات الصينية - الأفريقية تأسيسا على الاستغلال الصيني للموارد الأفريقية، وهو ما أسهم في نمو الاقتصاد الصيني إيجابيا، واستدعى قلق واشنطن لمواجهة التنين الصيني، وهو جزء من أسباب التدافع الدولي على أفريقيا، خصوصا في ضوء مواردها الطبيعية الهائلة في قطاعات النفط والتعدين والزراعة.
وتكمن أهمية البحر الأحمر في أنه يشمل الدول التي تربط آسيا بالقرن الأفريقي والتي تتحكم على المدخل الجنوبي لهذا البحر، وعلى رأسها الصومال واليمن، وكذلك الدول المنتجة للبترول، في الخليج العربي إضافة إلى الدول الأوروبية وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية بل وكل الدول التي تمر تجارتها وبترولها عبر البحر الأحمر.
التهديدات الأمنية
بعد حرب يوليو 2006م في لبنان تطلب الأمر خروج إيران من دائرتها المعتادة، والمعروفة بتشكيل جماعات مسلحة تحمل نفس عقيدتها ونهجها سواء بلبنان أم غزة أم العراق أم اليمن، والعمل على رسم خريطة جديدة لنفوذ إيران البحري، والخروج من الدائرة المحدودة بمياه الخليج العربي والمياه الساحلية للمحيط الهندي، والخروج من نطاق أجنحة إيران بالجزيرة العربية والشام إلى ما هو أبعد من ذلك، فبات البحث عن فراغ ليكون لهم موطئ قدم جديد، بجانب كسر أي حالة من العزلة تفرض على إيران في أي وقت، وكان الاختيار الواضح هو منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا.
أولا: قرب القرن الأفريقي من مربع عمليات الشرق الأوسط ومضيق باب المندب الذي يمثل الشريان للبحر الأحمر وقناة السويس، وقربه الشديد من اليمن حيث كان يتم تدريب الميليشيات الحوثية من جانب الحرس الثوري في بعض جزر المنطقة.
الحرب في اليمن
إزاء تطور المواجهة العسكرية في اليمن وظهور ما يسمي الحرس الثوري الأفريقي في الصومال، فإن المخاوف من تمدد النفوذ الإيراني من المنصة الحوثية إلى أفريقيا قد تعززت، قياساً على توقعات امتداد مدى تأثير التدخل العسكري الإيراني في اليمن الآن لدول الخليج العربي لاحقاً.
مواجهة المخاطر
لعل القاعد العسكرية الفرنسية هي الأكبر في القارة الأفريقية، وتتمركز في جيبوتي التي تقع على الجانب الغربي من مضيق باب المندب، وهي تضم 2735 عسكرياً، يتمركز منهم 1576 بشكل دائم في جيبوتي، بينما يقوم 1159 آخرون بمهام قصيرة الأجل في المنطقة.
التهديدات الأمنية في الصومال
بعد فترة من الهدوء النسبي، عادت حركة شباب المجاهدين لتطفو مجدداً على سطح الأحداث في الصومال، وذلك بمعيار قوة التدمير وحجم الخسائر الناجمة عنها، الأمر الذي يحمل رسائل قوية لخصوم الحركة في الداخل والخارج، حيث تعبر هذه الهجمات الإرهابية عن الرغبة في قطع الطريق أمام استكمال إدارة الرئيس محمد عبد الله فرماجو جهودها، لتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، خصوصاً بعد النجاح في تكوين عددٍ من الإدارات الإقليمية في: بونت لاند، وجوبا، وجنوب غرب البلاد، وإنشاء لجان لصياغة الدستور وضبط الحدود، وإعادة الإعمار، حيث تسعى حركة الشباب إلى سحب قوات الدول المشاركة في قوات أميصوم من الصومال، وهو ما أقدمت عليه بالفعل قوات سيراليون، بينما تقاوم قوات كل من كينيا وأوغندا، حيث تتمسك الحركة باعتبار أن قوات الاتحاد الأفريقي بمثابة قوات غازية تحمي حكومة عميلة ومرتدة، وهو ما يفضي إلى الحيلولة دون نشر قوات تابعة للأمم المتحدة في الصومال، بعد انسحاب بعثة (أميصوم) وكذلك تقويض النفوذ التركي في الصومال بوجه عام، وذلك عبر توجيه ضربة استباقية لإجهاض المساعي التركية لتأسيس جيش وطني منظم في البلاد.
السياسات الخليجية
بلورت دول الخليج توجهاتها إزاء منطقة القرن الأفريقي في محورين الأول اقتصادي والثاني عسكري، على الصعيد الاقتصادي تعد إثيوبيا من أهم الدول التي تنصح الرياض مواطنيها بالاستثمار فيها لكونها سوقا أفريقية تشهد نمواً مُتزايداً، ففي مايو 2016 تم توقيع اتفاقية تجارية بين إثيوبيا والسعودية لتوسيع قاعدة التعاون والاستثمار وداعمةً لاتفاقية تجنب الازدواج الضريبي والتي تم توقيعها في 2014، والهادفة إلى حماية الاستثمارات لكلا الطرفين، وفي نوفمبر 2016 تم توقيع اتفاقيات لم يتم الإعلان عن طبيعتها بقيمة 160 مليون دولار، كما وقع الطرفان على تشكيل مجموعة لجان مثل: لجنة التعاون الخارجي والأمني، لجنة التعاون العلمي والثقافي، واللجنة الاقتصادية، وقدم الصندوق السعودي للتنمية تمويلات لدعم التنمية في الأقاليم الإثيوبية النائية، وتشير وزارة التجارة الإثيوبية إلى أنه منذ عام 2008/ 2009 إلى 2015/ 2016 حصل أكثر من 305 مستثمرين سعوديين على رخص استثمارية إثيوبية في جميع المجالات، عزز ذلك عدد الشركات السعودية المُسجلة والذي تجاوز 69 شركة سعودية، والتي وفرت فرصا وظيفية للإثيوبيين برأس مال يتجاوز 369 مليون دولار، كما أن المشروعات الاستثمارية السعودية في إثيوبيا تجاوزت 303 مشروعات وتعتبر مصدراً للأمن الغذائي السعودي، وأكد تقرير «دليل الاستثمار في إثيوبيا» الصادر عن الحكومة الإثيوبية أن اللجنة السعودية - الإثيوبية المُشتركة اتفقت في ديسمبر 2016 على إنشاء شبكة للتعاون في مجال الطاقة، وكانت تلك اللجنة قد وقعت في وقت سابق على 16 اتفاقية ويتم بموجبها زراعة (1.713.357 هكتاراً)، خصوصا أن الاستثمارات الزراعية السعودية تمثل 30 % من مجموع الاستثمارات السعودية المتنوعة في إثيوبيا.
وفيما يتعلق بالصومال فقد وقعت الرياض في مارس 2016 مُذكرة تفاهم بين سلطتي الطيران المدني في الرياض ومقديشو، على أن يكون التشغيل بين الدولتين من وإلى أربع نقاط دولية يتم تحديدها لاحقاً بين السلطتين، كما قدم الصندوق السعودي للتنمية (20) مليون دولار دعماً للموازنة الصومالية، و(30) مليون دولار كاستثمارات سعودية في الصومال، وأسهمت الرياض في ارتفاع الصادرات الصومالية، في أعقاب خطوة لرفع حظر دام تسع سنوات على استيراد الماشية من الصومال، خصوصا أن الثروة الحيوانية تعتبر الدعامة الأساسية للاقتصاد الصومالي.
ولعل هذا النفوذ الاقتصادي الخليجي، هو ما أهله ليكون لاعبا أساسيا في عملية المصالحة الإثيوبية - الإريترية قبل عدة شهور، التي كانت قائدة لمصالحات إقليمية أخري بين كل من إريتريا وكل من الصومال وجيبوتي تمهد حاليا لقيادة إثيوبيا لهذا التحالف الرباعي والذي يمد النفوذ الإثيوبي إلى منطقة البحر الأحمر بوجود عسكري بحري.
عن «الأهرام العربي»