> تقرير/ عبدالله الظبي- سالم حيدرة صالح- حمدي العمودي
بدأ أبناء محافظة أبين استعداداتهم بالتحضير لاستقبال شهر الصيام منذ منتصف الشهر الماضي، وزاد إقبال المواطنين على شراء حاجيات ومتطلبات الشهر كل بقدر استطاعته المادية، فمنهم من تمكن من توفير ما يلزم، وآخرون الجزء، وهناك من لم يقدر على شراء أي شيء نتيجة للفقر المدقع الذي يُعاني منه الكثير من المواطنين، فضلاً عن الغلاء الجنوني الذي طال جميع مناحي الحياة وفي مقدمتها المواد الغذائية والاستهلاكية.
وعلى الرغم من الظروف المادية القاسية إلا أن أبناء المحافظة ما زالوا متمسكين، كغيرهم من أبناء الوطن، بالعادات والتقاليد الخاصة بهذا الشهر الفضيل، وإن كانت بعض منها قد اختفت، بعد أن كانت سائدة لعقود كثيرة، وذلك لعدة أسباب أبرزها، كما يقول الأهالي، التغيرات التي حصلت نتيجة للظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد، فقد بدأ التخلي عنها رويداً ورويداً كـ “المسحراتي”، نتيجة لتعدد السهرات الرمضانية، والتقاء الإفطار بالسحور لوجود القنوات الفضائية المتنوعة.

ففي مديرية أحور بدت الفرحة مرتسمة على وجوه أهاليها منذ بداية شهر شعبان استبشاراً بقدوم شهر الصيام والخير والمحبة والسلام والتلاحم والترابط المجتمعي، غير أن الصعوبات والمعانات التي رافقت هذا الاستقبال والمتمثلة بغلاء المواد الغذائية ومتطلبات الصيام وانعدام الغاز المنزلي وانقطاع التيار الكهربائي بالمديرية، لِما يزيد عن تسعة أشهر متواصلة، عكّرت كثيراً من صفو فرحتهم.
█ شهر العبادة
يقول المواطن سعيد علي العمودي، وهو من أهالي قرية المساني الساحلية: “جرت العادة في مدينة أحور وباقي قرى المديرية أن يتم الاستعداد للشهر الفضيل بمشاعر تملؤها البهجة والاستبشار، وذلك لما يتميز به هذا الشهر من خصوصية، ولما جرت عليه العادة هنا لاستقباله، ففي الليلة الأولى نجد الأهالي يتوجّهون بأبصارهم جهة المغرب لرؤية الهلال، مع ما يصاحب ذلك من تبادل لعبارات التهاني والتبريكات، وفي المنازل تكون الاستعدادات في أوجها، فيما يخص المأكولات والمشروبات التي اعتاد الناس عليها في ليالي الشهر الفضيل، كما أن للمساجد خصوصيتها كذلك حيث تعمر بالقرآن الكريم والذكر والدروس الفقهية المتعلقة بالصيام وصلاة التراويح والأدعية والابتهالات المأثورة المتوارثة عن السلف الصالح. ولوقت السحر أيضاً نكهته المميزة التي لن تنساها الذاكرة رغم التغيير في بعض العادات الضاربة في القدم كطواف شخص مخصص لإيقاظ الناس للسحور (المسحراتي)، بعد أن حلت المنبهات والأجهزة الحديثة محلّه، وغيّبت عنا عادة جميلة ورائعة، كما أن للأطفال والشباب ألعابهم وهواياتهم التي تناسب رمضان، مما يضفي على لياليه وأيامه مظهراً متفرداً عن باقي أشهر السنة، ولا ننسى هنا مظاهر التكافل والتعاون بين الأسر والأهالي، حيث يقدمون الأطعمة للمحتاجين والفقراء”.

وقال المحامي غسان صالح الجفري: “في الحقيقة أصبحنا نستقبل هذا الشهر الفضيل ونحن نشكو من الظلم الكثير، فالمرضى وكبار السن والأطفال والجميع يعانون من انقطاع التيار الكهربائي لما يزيد عن نصف عام، فضلاً عن التلاعب في الأسعار وتفاوتها من محل تجاري لآخر، دون أي حسيب أو رقيب”، مضيفاً: “الشيء الذي ننعم به، بفضل الله تعالى، هو الأمن ومع هذا نتمنى من السلطة المحلية اتخاذ قرار لمنع حمل السلاح في الأسواق العامة، والتي من شأنها أن تنهي قضية الثارات التي ما زالت مشكلة قائمة”.

█ غلاء الأسعار
وقال المواطن محمد يسلم أحمد، وهو أحد أبناء مدينة زنجبار عاصمة المحافظة: “إن المواد الغذائية والاستهلاكية شهدت ارتفاعاً كبيراً مع قدوم شهر رمضان، الأمر الذي تسبب بحرمان العديد من الأسر من شراء متطلبات الصيام”.
وأوضح المواطن عبدالله عوض في حديثه لـ “الأيام” أن استعدادات أهالي المديرية لاستقبال هذا الشهر انصدمت بارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وهو ما يعني أن رمضان هذا سيكون مختلفاً تماماً لدى الفقراء والمعدمين”.

المواطنان ناصر سعيد أحمد، وأسامة حسين علي، قالا: “أصبح المواطن الأبيني بين جشع التجار وسندان الفقر المدقع”.

ولفت حمود نصر عاطف، أحد أبناء مديرية رصد، إلى أن الأسر بدأت الاستعداد والتحضير لهذا الشهر منذ بداية شهر شعبان، في ظل ظروف استثنائية ومعقدة”.
█ اختفاء بعض العادات الرمضانية
وكما أن الظروف المادية الصعبة حالت دون الكثير من توفير حاجيات الصيام الأساسية كالتمور وغيرها، وفقدت المحافظة الكثير من العادات والتقاليد والطقوس الخاصة بهذا الشهر لأكثر من سبب.
قال الحاج فضل قاسم محمد، من أبناء مديرية لودر: “هناك عادات كانت موجودة في السابق واختفت اليوم، ومن هذه العادات قيام المسحّر بإشعار الناس بقرب وقت السحور، بالإضافة إلى اجتماع الناس عقب صلاة التراويح للحديث فيما بينهم في بعض الأمور، أما الوجبات فكانت القوة وحبوب الذرة والسحور عصيد مكوّن من الدخن مخلوط مع السليط البلدي أو السمن مع لبن الأغنام أو الأبقار فقط، بخلاف وجبات اليوم التي هي عبارة عن الشربة واللبنية والشفوت بالإضافة إلى العصائر والتمر والقهوة والسنبوسة والباجية والزر والخبز وأطعمة أخرى”.

أما الحاج يسلم عمر، وهو أحد أبناء منطقة الشيخ عبدالله بمديرية زنجبار قال: “الطقوس التي كانت تمارس في الماضي بهذا الشهر كان لها طعم خاص ومذاق طيب، ولكن في السنوات الأخيرة انحسرت هذه الطقوس وبدأت في التلاشي، ومع هذا ما زال شهر رمضان يتميز بروح مختلفة، روح الجماعة التي تسود بين الناس، وذلك بتبادل الأطعمة بين الجيران إلى جانب حلقات السمر التي يلتف حولها صبية الحي على الرغم من انشغالهم بمشاهدة القنوات الفضائية، كما نأسف في المقابل لتخلي معظم الناس عن الكثير من العادات والممارسات الرمضانية”.

وأخذ بأطراف الحديث الحاج علي هادي علي جعيم وأضاف: “كانت حياة الناس في شهر رمضان، خلال ثمانينات القرن الماضي، بسيطة ومتواضعة تملؤها مشاعر الأخوة والمحبة والتراحم، ومن العادات التي كانت منتشرة فيها واختفت مع الوقت في هذا الشهر (سفرة الجيران) نتيجة للتعقد الحاصل في نمط الحياة المشحون بالكثير من الصعوبات في جميع النواحي، كما أن المائدة الرمضانية اختلفت عمّا كانت عليه سابقاً، حيث كانت تحتوي على أكلات قليلة ومفيدة، أما اليوم فتعددت الأصناف وكثرت مسميات الأطعمة والعصائر، ومع ذلك فإن شهر رمضان يظل عندنا هو الشهر الفضيل الذي يتراحم فيه الناس ويعفو بعضهم عن البعض، كما تمتد الأيادي البيضاء إلى الضعفاء والمحرومين بالعطاء، وتحلق النفوس فيه بعيداً عن متاع الدنيا الفانية طلباً لرضا ربها وعفوه”.
وقال الحاج سالم ناصر العوسجي، أحد أبناء العاصمة زنجبار: “شهر رمضان هو شهر الخير والعبادة في كل زمان ومكان، وإن ما يحدث من تغيّر فيه يقتصر على عادات الناس وتقاليدهم وفقاً للظروف والأحوال التي يعيشونها، وبالمقارنة مع الماضي فقد كان الناس بشهر الصيام أكثر ابتهاجاً وألفة، تبدأ تتجلى بوضوح منذ أواخر شهر شعبان، وذلك من خلال تجهيز احتياجاتهم من مأكولات ومشروبات وغيرها، فيما يتمثل دور النساء بجرش البر والتوابل للشربة، وقبل الليلتين السابقتين للصيام يخرج الأطفال يطوفون في الشوارع حاملين المشاعل ومرددين أناشيد الترحيب بالشهر الفضيل مثل (مُرحب مرحب يا رمضان شهر العبادة وشهر الصيام)، وفي لياليه تجتمع النساء كل ليلة في بيت من بيوت الحافة يتسامرن ويتبادلن الأحاديث، وكذلك يفعل الرجال فيتجمعون في الشوارع، ويحرص الجميع على التسامح وإنهاء الضغائن وتجاوز المشكلات”.

بدورها، تحدثت أم عبدالله، عن حياة الناس في هذا الشهر بالمدينة، قائلة: “شهر رمضان هو شهر العبادة والصيام والخير، ويتم استقباله منذ دخول شهر شعبان من خلال تجهيز الاحتياجات من المأكولات والمشروبات وغيرها، والتي نقوم بشرائها من الأسواق”.
█ لا مقارنة
فيما قالت أم نشوان: “جرت العادة أن يتم استقبال شهر رمضان بالفرحة والابتهاج، ومن أهم سمات رمضان التراحم والمحبة، ولا مقارنة بين رمضان في الماضي والحاضر، فكثير من العادات والتقاليد الرمضانية الجميلة، التي كانت متبعة في شهر الصيام قبل الوحدة، اختفت تماماً من قرى المديرية كتجمع النساء أمام منازلهن، وكذا التجمع في النصف من شهر رمضان، بعد أن تحضر كل منهن ما لديها من طعام، ومن العادات أيضاً خروج الأطفال مصطحبين جعابهم الصغيرة وتحتوي على السمبوسة والباجية والخبر ليطوفوا على المنازل”.

وأضافت: “مع بداية رمضان لهذا العام نواجه عدداً من الصعوبات التي جعلت فرحة رمضان ناقصة، وهي ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش المستمر الذي جعلنا نعجز عن شراء بعض احتياجاتنا، ونطالب الجهات المسؤولة أن تقوم بواجبها في عملية الرقابة على الأسعار”.
بدوره، تحدث المواطن ربجي دباء، أحد أبناء مدينة جعار بالقول: “لشهر رمضان طقوس خاصة، في هذه المدينة، منها تجمع الأسر على مائدة الإفطار، حيث تكتظ شوارعها بالمتسوقين رغم ما تمر به الكثير من الأسر من ظروف مادية صعبة حرمتهم من شراء حاجيات متعددة وأساسية للصائم، كما يقوم الأهالي بمساعدة بعضهم بعضاً، وإقامة المسابقات الدينية والثقافية والرياضية، وجلسات السمر حتى وقت السحور”.
