> عهد فاضل
الضحك، كعلامة عن الفرح أو الرضى أو القبول أو الاستمتاع والسرور، أو كرد فعل عن مفارقة لفظية أو مجمل ما يكون من هذا الباب، هو كلمة حذرة في اللغة العربية، حيث إن الضحك، كفعل، يتضمن انكشافاً وبروزاً، كما يقول ابن فارس في مقاييسه، ولعل هذا الانكشاف والبروز، في حروف كلمة ضحك، هو الذي جعلها كلمة حذرة في العربية، يتم التعامل معها بمقدار دقيق، جعل من ضحكة أسوأ الضحك، ومن أخرى ما يمكن أن تكون الأجمل، ولا تكون ضحكاً والحالة هذه.
وتستعمل الآن، صيغة الاستغراب، في معنى التوجّس والتفحّص وشيء من عدم القبول، فيقال فلان يستغرب ما قاله فلان، في حين أن الاستغراب كان في العربية القديمة، بمعنى شدة الضحك! ويوضح ابن فارس أن السبب في العلاقة بين الكلمتين، غربَ وضحكَ، أن الغَرْب هو حد الشيء، كغرب السيف، فيقال استغرب الرجلُ في ضحكه إذا بالغ به، وأن من الممكن أنها جاءت من أنه بلغ آخر حدّ الضحك. يوضح ويفصّل، صاحب المقاييس.
ضحكات النساء.. فوق التبسّم
لكن الضحكة قد تكون منطوية على ما هو غير القبول والمسرّة، فتكون نتغاً، ونتغ الرجلُ إذا ضحك ضحكة على شيء من الاستهزاء، أو هي ضحكة المستهزئ. وتأتي القرقرة والكركرة والكهكهة والطخطخة، جميعها بمعانٍ توضح مستويات الأصوات التي تخرجها ضحكات معينة، لو كانت مسموعة، أما إذا لم تكن مسموعة بوضوح، فهي الخنين الذي يعرّف بأنه الضحك الخفي، وهو ذاك الذي يقوم به شخص غير قادر على إبراز ضحكه، لأسباب كثيرة، منها عدم السماح له، لخلفيات تتعلق إما بالتأدب أو سلوكيات المرؤوس مع رئيسه، أو لخجل أو لإخفاء ذلك لأي سبب. أو الخنين، ضحك أظهره الإنسان، فظل خافياً، بتفصيل ابن سيده.
وأكثر ضحكة غير ظاهرة للعيان، يقال عن صاحبها، انتدغَ أو أندغَ، يقول ابن سيده في المخصص، إن هذا هو أخفى الضحك. أما إذا أراد أن يخفي ضحكه قصداً وعياناً، فهو يغتّ غتاً، أي وضعه يديه أو ثوبه على فمه ليخفي ضحكته. ويقال إن المرأة لو حاولت إخفاء ضحكتها، وفشلت في ذلك، فقد تَغَت.
وهذه أسوأ ضحكة
وفيما البش التي نتعامل منها، بعبارة الوجه البشوش، ويعرّف بأنه الضحك سروراً بإنسان، فإن أسوأ ضحكة، في العربية، تتصل بالرجال والنساء، على حد سواء. وأسوأ الضحكات، تسمى الهزرقة. وأصل الكلمة بدون راء، وهي مزيدة بذلك الحرف. لكن لماذا هي أسوأ ضحكة؟
يقول ابن فارس إن الهزرقة، هي أسوأ الضحك، وأصل الكلمة هزَقَ، والهزق يقال لصوت الرعد، وكذلك للمرأة التي لا تستقر على حال أو في موضع، فهي مهزاق ومهزاقة. بحسب أمهات عديدات.
ويكمل اللسان ليوضح طبيعة مثل تلك الضحكة التي على ما يبدو ليست مجرد انفجار صوت كأنه الرعد بل فيه حركة ما غير مستحبة، فيقول إن الحمار كثير الاستنان، يقال عنه مهزاقٌ أيضاً، أي أن الهزق كفعل، يجمع بين بروز غير لائق، مع شدة صوت الرعد الذي منح هذه الكلمة نعتاً ملتصقا بها جعلها الأسوأ بين الضحكات. وهذا يفسر ما ذهب إليه ابن فارس، في مقاييسه، عندما قال إن حروف كلمة ضحك، فيها دليل انكشاف وبروز، وهو ما أكده لسان العرب بأن الهزرقة التي عرّفها بالضحك غير الرزين، تتضمن الخفة والنزق والطيش وشدة صوت الرعد.