> أحمد جمال
أفرزت الأحداث الأخيرة في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، وعدد من المحافظات الجنوبية، الحاجة إلى إدخال تعديلات جوهرية على الشرعية بشكلها الحالي لوقوفها عائقا أمام أيّ حلول سياسية أو عسكرية تمهد لإنهاء الأزمة اليمنية، بعد أن أضحى قرارها مختطفا بيد حزب الإصلاح، الذي ينفذ تعليمات قطر القابعة في المعسكر المؤيد للمتمردين الحوثيين وحليفتهم إيران.
قال عادل الشجاع عضو اللجنة العامة بحزب المؤتمر الشعبي العام في حوار مع "العرب": "إن تقوية مؤسسات الدولة اليمنية بحاجة أولا إلى تحرير الشرعية من الرئيس عبدربه منصور هادي الذي أضعفها وجعلها مهلهلة. واستمرار تخفي تنظيم الإخوان خلف الحكومة يربك الشرعية. والتحالف العربي الرامي إلى دعمها، وهو هدف رئيسي للرئيس عبدربه منصور الذي يسعى إلى خلط الأوراق لضمان استمرار الأزمة وبقائه".
وأضاف أن حكومة معين عبدالملك الحالية لا تمتلك رؤية واضحة أو أهدافا سياسية وعسكرية محددة، ويرتكن أعضاؤها إلى تسيير الأعمال ليظلوا مثل الموظفين الذين ينتظرون رواتبهم نهاية كل شهر، بل إنها أعلنت دخولها إضرابا عن العمل هو في الأساس سلوك يقدم عليه المواطنون أو العمال، ما يعني التخلي عن دورها الرئيسي الذي جاءت من أجله.
قبضة الإصلاح
أوضح الشجاع، أن حزب الإصلاح يمتلك القرار الأكبر داخل الشرعية، والرئيس عبدربه منصور هادي يتمسك بتلك المعادلة كي يجري تعليق شماعة الفشل على هذا الحزب وليس على شخصه، في المقابل استفادت ذراع الإخوان المسلمين في اليمن من تلك المعادلة بعد أن وظّف هذا النفوذ لصالحه، وليس من أجل المصلحة الوطنية أو استعادة الشرعية من الانقلاب الحوثي.
ويعتبر عادل الشجاع أن فشل قوى الشرعية في اليمن يرجع إلى الفراغ الذي تركته في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ما سمح لقوى أخرى بأن تملأ هذا الفراغ، من المعسكر التابع لها أو من خارجه، إلى جانب أن التحالف العربي لم يتابع بشكل كثيف أوضاعها في المناطق التي جرى تحريرها من قبضة الميليشيات الحوثية، ما أدى إلى فقدانها على أرض الواقع، بالرغم من حديث الشرعية عن سيطرتها على 85 بالمئة من الأراضي اليمنية.
وتحدث الشجاع بصراحة أكبر، قائلا إن أحداث عدن الأخيرة كشفت تفكك ما يسمى بالجيش الوطني الذي صاغه الإصلاح ليسيطر عليه بعد أن استسلم في غضون ساعات قليلة، وهو ليس بجيش دولة لكنه أقرب إلى الميليشيات، التي تتبع جهة معينة وليس لمؤسسات الدولة، كما أن معسكرات عدن التي خسرها الإصلاح غير تابعة للدولة ويتواجد فيها أفراد يؤمنون بالعمل المناطقي والطائفي.
وبرهن على ذلك بتأكيده أن وزير الدفاع محمد علي المقدشي، لا يمكنه أن يمارس مهام عمله من عدن، كما أن وزير الداخلية أحمد الميسري، لا يستطيع أن يذهب إلى مأرب لمتابعة الأوضاع هناك، ما يزيد من تشابك مصالح الشرعية المتعارضة.
وأوضح أن "الإصلاح أظهر تبعيته للدوحة وليس لتحالف دعم الشرعية، وسعى إلى إفشال الشرعية في الكثير من المواقف دعما للموقف القطري التركي من اليمن، الذي يستخدم ذراع الإخوان كأداة لتحقيق مآربه العدائية مع بلدان التحالف، وبالتالي فإن تأثير الصراعات الإقليمية على الشرعية يصعّب من إنهاء الأزمات الحالية ويصب في صالح إطالة أمدها".
انعكس الوجود القطري من خلال حزب الإصلاح على علاقته بالميليشيات الحوثية، وبحسب الشجاع، هناك العديد من المواقف تثبت التقارب والانسجام الحوثي الإصلاحي، وثمة خطوط تماس بين الطرفين، ما يشي بأن هناك نوعا من الود العميق بينهما، في وقت يرى فيه كل طرف منهما أن هناك ثالثا يستهدفهما، وتقترب المسافات بينهما ارتكانا إلى المواقف الإقليمية الداعمة لكل طرف منهما.
الاسترخاء والانسحاب
لم يتوقف التوافق الإصلاحي الحوثي على هذا الأمر، بل إن القيادي بحزب المؤتمر لفت النظر إلى ما جرى في معركة حجور بمحافظة حجة (شمال غرب اليمن)، بعد أن صدمت القبائل هناك لمدة شهرين من دون أن تلقى دعما من قوات الجيش، بالرغم من وجود ألوية قريبة، لكنه فضل الاسترخاء والانسحاب.
ويوضح أنه كان هناك تضليل إعلامي متعمد بأن هناك قوات أمنية ستذهب، والمفاجأة كانت أن الرئيس عبدربه منصور كلف ألوية عسكرية قريبة من الحدود مع سلطنة عمان، قبل أن تحسم الميليشيات الحوثية المعركة لصالحها، متوقعا أن يكون هناك اتفاق سري ترعاه قطر للتوافق بين الطرفين على الأقل خلال المرحلة الحالية.
ويشير إلى أن دخول الشرعية في مفاوضات سياسية بالحديدة، قبل تحقيق الانتصار الكامل، أدى إلى تمكين الميليشيات من جبهة الساحل الغربي، وذلك لا ينبغي أن يتكرر مجددا، لأن المفاوضات السياسية لن تحسم الأزمة اليمنية والمطلوب الآن قوة عسكرية بتوافق مدني يستطيع أن يستعيد الدولة أولا.
ويشدد على أن القوة العسكرية بحاجة إلى إعادة صياغة الشرعية وتفعيل المبادرة الخليجية، بإضافة ملحق إليها يقضي بنقل السلطة من الرئيس إلى نائب تتوافق عليه مكونات المجتمع المدني جميعها، لأن المحيطين بالرئيس عبدربه منصور والذين ينتمون إلى حزب الإصلاح يعرقلون ذلك المقترح حتى بعد أن اختصروا الشرعية في شخص الرئيس عبدربه منصور وليس في مؤسسات الدولة.
وتؤمن العديد من القوى السياسية اليمنية بأن حزب الإصلاح يحاول إيجاد حالة صدام بين التحالف العربي والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يستنفر قواه من أجل إنهاء سيطرة الإخوان على مفاصل الدولة، ويسعى لاستهداف دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل مباشر للوقيعة بين جناحي التحالف، لتحقيق المصلحة القطرية- الإيرانية الساعية لإفشال مهمته في اليمن.
تطويق الانقسامات
كشف القيادي اليمني، المقيم في القاهرة، أن المملكة العربية السعودية تواصلت مع قيادات عدة داخل حزب المؤتمر لجس نبضها من حيث إمكانية المشاركة في الشرعية، وأن هناك اجتماعا جمع قيادات المؤتمر بآخرين سعوديين قبل شهر تقريبا، وكان من المقرر أن يكون هناك آخر في 20 أغسطس الجاري، لكنه أرجئ إلى مطلع الشهر المقبل.
وأضاف أن الاجتماعات شارك فيها من طرف حزب المؤتمر كل من أبوبكر القربي وفائقة السيد، اللذين يشغل كل منهما منصب الأمين العام المساعد للحزب، ويحيى دويد عضو اللجنة، وأفرزت عن إدراك التحالف العربي لخطأ استبعاد المؤتمر الشعبي من الشرعية، والتأكيد على أن وجود الحزب سوف يعطي ثقلا شعبيا عانت من فقدانه الشرعية كثيرا، ما يصب في صالح عدم استبعاد أن يبحث التحالف عن التوافق السياسي داخل اليمن.
غير أن الشجاع وصف تلك الانقسامات بالطبيعية، وتظهر على السطح، لكن قواعد الحزب الرئيسية والتي تتشكل من حوالي 6 ملايين يمني ما زالت كتلة واحدة، وتنطلق من دعوة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح قبل مقتله، وتقوم على فك الشراكة مع الميليشيات الحوثية.
ويؤكد أنه "لا يوجد مؤتمري (نسبة لحزب المؤتمر) يتعاون مع الميليشيات الحوثية ومن يخضعون لها في صنعاء تحت تهديد السلاح ولا يستطيعون اتخاذ قرارات خاصة بالحزب، الذي يقوم على فكر ولوائح ما زالت مطبقة حتى الآن، فهو لا يقوم على أيديولوجيا مناطقية أو طائفية، وينفتح على الجميع، كما أن إقصاءه خارج السلطة ساعده على استمرار شعبيته حتى الآن".
إن لدى الشجاع موقفا حاسما من رفض تولي الرئيس اليمني عبدربه منصور منصب رئيس الحزب، ويؤكد أن الانتخابات وحدها تحسم ذلك المنصب، وتعجب من سعي الرئيس عبد ربه منصور للوجود على رأس الحزب وإقصائه من الحكومة في الوقت ذاته، معتبرا أن الإقدام على تلك الخطوة يؤدي إلى إضعاف الحزب بشكل كبير بعد أن أضعف الرئيس عبدربه منصور هادي الشرعية بأكملها.
ويضيف أن أحمد علي عبدالله صالح لم يطلب أن يكون لديه منصب سياسي، لكن الصورة الذهنية لدى العديد من قواعد الحزب تنظر إليه باعتباره المخلص لما يحمله من مرجعية واسعة تستوعب الجميع، ما يفرز الحاجة إلى تدخل أطراف محسوبة على التحالف العربي للتدخل من أجل إنهاء أزمته التي قد تكون أحد مفاتيح حل الأزمة اليمنية في الفترة المقبلة.
"العرب"