لطالما تطابقت آرائي ومواقفي مع العبارة الشهيرة التي أطلقها الزعيم الأمريكي السابق لونكلن حين قال "لو خيروني بين السلام والصواب لاخترت الصواب"، وجعلت منها (أقصد هذه العبارة) أساسا لبناء أحكامي واتخاذ قرارتي وتحديد خياراتي إزاء مختلف الأمور والقضايا والعلاقات الشخصية والاجتماعية سواء تلك التي تخصني وترتبط بحياتي أو تلك التي تتعلق بشؤون الآخرين من حولي.

وما كنت أبدا لاختار السلام مثلا بديلا من الحرب في الحالة التي يكون فيها السلام خطأ فادحا قد يلحق بمصالح البلاد ضررا بالغا أو قد يصيبها بالانهيار أو يتسبب في ضعفها وإهدار تضحيات أبنائها وتعطيل أهدافهم وتطلعاتهم ومضيعة حقوقهم وتبديد آمالهم وتدمير ممتلكاتهم واستلاب حريتهم واستقلالهم والقضاء على قوتهم وإن على المدى البعيد.

إن الصواب، كما أراه، إنما هو التدبير الذي يتفق مع المنهج العقلي والمنطقي للتفكير والاستدلال، وهو التصرف العملي الذي لا يخالف القوانين والمواثيق والأعراف والمثل والعقائد الإنسانية والدينية والأخلاقية ولا يناقض مفاهيم العدل وقيم الإنصاف والمساواة والحرية البشرية والاستقلال وتحقيق السيادة، وهو كل سلوك أو رأي أو موقف أو قرار أو فعل يقوم بناؤه على مرتكزات صلبة وواضحة ويمتلك من الحجج والمبررات والبراهين الشرعية ما يجعله قويا وثابتا أمام بقية الخيارات والبدائل الأخرى الممكنة والمتاحة.

هذا تعريفي للصواب حسب تقديري ووجهة نظري الشخصية، ومع ذلك أقول إن الصواب ومثله الخطأ أيضا يبقيان مسألة نسبية اعتبارية.. أي أن ما تعتبره أنت صوابا قد يكون بالنسبة لغيرك خطأ والعكس صحيح أيضا، وقد يقاس كل منهما بالنسبة لوقوعه في فترة زمنية معينة دون أخرى يتكرر خلالها أو يكون وقوعه في ظروف وأسباب ومقدمات شاذة وغير طبيعية أو مرهونا في الحكم عليه بالنتائج التي أسفر عنها وردود الفعل التي ترتبت عليه.

والصواب الذي يقصده لنكولن في عبارته الشهيرة، المشار إليها هنا، طبعا هو أي خيار آخر غير خيار السلام عندما يكون القبول بخيار السلام خطأ تاريخيا جسيما قد يتسبب في خراب وطن ودمار شعب وقتل أمة.. وخاصة حين يستهدف إيقاف نزاع قائم بين الحق والباطل أو بين طرفين أو أكثر، أحدهما يحارب ويقدم التضحيات الجسيمة من أجل الاستقلال والحرية واستعادة الدولة، فيما الآخر هو الطرف الذي يحتله.