> كتب/ المراقب السياسي
90 يوما من التدهور لإضعاف الجنوبيين
المساعي الأممية تصب باتجاه «باب اليمن»
انتقل إلى رحمة الله أمس، في تمام الساعة السابعة مساءً، اتفاقُ الرياض بانتهاء مدة التسعين يوماً بعد صراع مرير مع الأطراف السياسية.
تكاد أن تكون الجملة أعلاه نعي صادر عن الدولة ومنشور في وكالة الأنباء الرسمية سبأ ولكن واقع اتفاق الرياض أكثر مرارة، فقد ولد اتفاق الرياض من رحم حرب في شوارع عدن لا يبدو أنها الأخيرة خاصة وأن الأطراف السياسية تستعد لجولات قادمة دون هوادة.
تسعون يوماً من توقيع اتفاق كانت الأطراف مرغمة على توقيعه ولم تكن راغبة فيه.
والواقع على الأرض اليوم هو وجود ثلاثة أطراف شرعية معترف بها في اليمن، الرئاسة بشخص الرئيس عبدربه منصور هادي، والمجلس الانتقالي الجنوبي بفعل اتفاق الرياض، وأنصار الله (الحوثيين) بفعل اتفاق ستوكهولم.
وكلا الاتفاقين، الرياض وستوكهولم، لم يتم التوقيع عليهما سوى لخلق شرعيتين بديلتين لشرعية الرئيس هادي.
إن الحوثيين هم من يحكم الشمال، ولولا تردد المجلس الانتقالي لكان حاكماً لكل الجنوب اليوم، فماذا سيحدث لو استولى المجلس اليوم على مرافق الدولة التي حافظ عليها لصالح الدولة.. لا شيء، ستغضب بعض الأطراف وستهدأ ثم ستضطر نفس الأطراف الدولية إلى التعامل معه، فالعالم لا يعترف سوى بالقوي على الأرض.
وبعيداً عن كل هذا الكلام في السياسة، يظل الجوع هو المحرك الأساسي للثورات، وما فعله اتفاق الرياض هو تجويع لجنوبيين على مستوى الأفراد.
فلم يعد هناك مبرر لاستمرار هذا العبث وهذه الحرب سوى تمسك الفاسدين بمصادر فسادهم، وما انطفاء الكهرباء وانعدام المشتقات وتدهور المعيشة والعملة إلا دليل على الفساد المستشري.
إن فساد الشرعية اليوم هو المعرقل الوحيد للسلام في اليمن عامة والجنوب خاصة.
بينما الجانب الآخر في الشمال يتقوى ويسيطر على المزيد من المساحات.
ما الذي تبقى من اليمن؟
سؤال يجب أن يطرح اليوم من جميع الأطراف، فالدولة مقسومة بين شمال وجنوب، والعملة مقسومة بين ريال طبعة جديدة في الجنوب وريال طبعة قديمة في الشمال بسعرين مختلفين، بمعنى أنهما عملتان منفصلتان، لدينا حكومتان؛ واحدة في صنعاء، والثانية في عدن، ولدينا وزارتان خارجيتان في عدن وصنعاء، ولدينا حدود بين الجنوب والشمال بمعارك على طول خط الحدود بين الجنوب والشمال.. وهذا واقع على الأرض أعاد فرض الدولتين السابقتين.
والأهم لدينا علَمان علم للجنوب وعلم آخر للشمال.. رغم أن المجتمع الدولي يعترف فقط بعلم واحد وجواز سفر واحد.. فعن أي وحدة يتكلم العالم اليوم؟!
نسمع اليوم الكثير من السخف عن ضرورة أن يكون الجنوب تحت مكون واحد موحد لتحقيق الاستقلال ويتناسى مروجو هذا الكلام أن أم الثورات - وهي الثورة الفرنسية التي أقامت جمهورية فرنسا - كان ثوارها لا يتجاوزون سبعة آلاف، بينما في الجنوب فقد انتفض الشعب برمته.. والمطلوب تحالف جنوبي لجميع المكونات الجنوبية بحسب ثقلها وحجمها على أرض الجنوب.
إن فصل مشكلة اليمن إلى جنوب وشمال سيسهم حتماً في خلق مساحة عمل سياسي جديدة والبدء بالحل الفعلي لتراكمات أكثر من نصف قرن من فشل الحكم في البلاد جنوبها وشمالها.
الفشل ليس لشعب الجنوب أو الشمال فقط؛ بل للجارة الكبرى الشقيقة المملكة العربية السعودية التي ستكون الخاسر الأكبر، فكلا الشعبين سيثوران ويطيحان بكل من تسببوا في شقائهم، وفي تلك اللحظة الفارقة ستكسب المملكة شعبين ينظران إليها كسبب رئيس في شقائهم.