> د. باسم المذحجي

بالرجوع لأشهر الخبراء في مجال سياسة الاحتواء "الاستقطاب"، فمؤسس إستراتيجية الاحتواء، والذي صاغ مبادئها السياسي الأمريكي، والخبير جورج جنان سنة 1974، بحيث كانت الفكرة تقوم على تشكيل أحلاف وقواعد يتم فيها استقطاب معظم دول العالم، والهدف عزل الاتحاد السوفييتي يومها، ثم قام هنري كسينجر بتطوير سياسة الاحتواء، أو مذهب السياسة الواقعية في السياسة الخارجية والمتعارف عليها "الريال بولتيك"، لتتبلور فكرة إستراتيجية يتم تدرسيها وتطبيقها في مختلف بلدان العالم.

الفكرة تقوم على عزل ومحاصرة الخصوم بهدف بسط النفوذ والسيطرة على أي منطقة في العالم، وهذه الفكرة يمكنها أن تأخذ حيزاً كبيراً كعلاقة دول مع أخرى، أو علاقة نظام حكم مع محيطه؛ بحيث تركز على نشر الانهيار الداخلي للعدو أو الخصم.
بالرجوع للشأن اليمني، فالذي أقدمه هنا معلومات وحقائق وليست رأي ناشط بما تمليه قناعته الشخصية وأهوائه، بمعنى أن المقال يقدم مقاربة بحثية دون الاهتمام بكون المقال مادة إعلامية تجمل من صورة جماعة الحوثي المليشياوية الانقلابية.

الحوثيون يمارسون سياسة احتواء محكمه ومخططه لكل المواطنين المتواجدين في مناطق سيطرتهم، فالصحفي لا يعتقل؛ بل يتم تدارس كتاباته ومناقشته والترحيب به واحترامه، والحقوقي يتم النظر والتباحث حول شكواه بدون الزج به في السجون، وبالفعل تم تخصيص مختصين وأرقام تواصل للنظر في مختلف شكاوي العامة، وتطورت مساحات المواطنة ليتم بموجبها منح كل من يرغب في بناء مصالحه الخاصة، وسط تجاهل متعمد لميول طالب المصلحة الفكرية والسياسية، وأشبه ما تكون الحالة التي وصل إليها الحوثيون هي سنمنحك دولة، ولك فيها صوت، ونفوذ، ومصلحة ما عدا خطين أحمرين لا يتوجب عليك تجوزهما، وهما:

1 - صناعة قرار السلطة لآل البيت والسلالة الهاشمية.

2 - المركزية في إدارة اليمن من صعدة حتى المهرة.

يتضح للجميع بأن الحوثيين يشنون حرباً باردة على التحالف العربي والسلطة الشرعية في اليمن، وهي حرب من نوع آخر كشفتها النجاحات الأمنية والعسكرية والمؤسسية للحوثيين في مناطق سيطرتهم خلال خواتم السنوات الخمس من حرب اليمن الأهلية.
بمعنى لم يُعد هناك تحريض على الخصوم، وحملات اعتقال؛ بل مداراة وسياسة دهاء في التعامل، مما جعلهم يسيطرون على معظم المعارضين بالتراضي، وتطورت سياسة الاحتواء لجميع فئات المجتمع اليمني مستفيدة من انتكاسة السلطة الشرعية في مناطق سيطرتها، والخلافات التي رافقت تحالف دعم الشرعية في اليمن.

يقدم الحوثيون رسالة احتواء مدروسة وتمرر بكل ذكاء ودهاء، وترجمتها للداخل اليمني بأننا نستخدم إيران كحليف؛ وليس محتلاً، لكننا نحن من يمثل اليمن ومصالح المجتمع اليمني، ونالنا في نهاية خمس سنوات من الحرب شرف الدفاع عن شعب اليمن وسيادته وسلامة أراضيه.

* باحث إستراتيجي يمني

دكتوراه في النوع والتنمية