> علاء عادل حنش
في إحدى المناطق النائية المحاذية لمدينة عدن الساحلية يعيش الشاب (علي) الذي لم يتجاوز عمره الثالثة والعشرين مع أسرة متواضعة مستورة الحال، غير قادرة على توفير تكاليف زواج ابنها علي، غير أن (عليًا) لم يكن من أولئك الشباب المتكلين على أسرهم، بل سعى جاهدًا لتوفير تكاليف زواجه بنفسه، لا سيما بعد أن وجد شريكة حياته، فهو يعتقد بأن المرء فور مقابلته شريكة حياته سيفعل المستحيل في سبيل الاقتران بها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
كان علي يعمل مدرسًا، بالإضافة إلى عمل آخر شاق، وظل سنتين يكد ويكافح ويجمع المال حتى استطاع توفير أغلب تكاليف زواجه، ورغم عدم اكتمال كل تكاليف وترتيبات الزواج إلا أن علي قرر الزواج بسرعة، متوكلًا على رب السماوات والأرض.
قالت مير: كم أنا سعيدة بسماع هذا النبأ، ولكن حبيبي هناك تجهيزات تحتاج مني وقتا، فأنا أريد أن يكون زواجي أجمل زواج في العالم.
أجابت: شهرين على الأرجح.
طأطأ علي رأسه وقال: حبي.. شهرين كثير، أحاول أن أسرع خشية حدوث شيءٍ يُجبرنا على تأجيل الزواج.
فقال: كما تريدين، لكن حاولي تجهيز كل شيء سريعًا.
أسرعت مير بتقبيل علي قبلةً، تعبيرًا عن سرورها، وقالت: حاضر حبيبي.
قالت مير: لا تقلق، وتفاءل فقط.
قال لها: أخشى أن يُطلق على حُبنا (الحب في زمن كورونا)!
ابتسمت مير، وقبّلته قبلة شعر بعدها علي بالطمأنينة والراحة، لكن عقله ظل في قلق كبير.
شعر علي ومير بفرحة عارمة، فحبهما سيتجسد على أرض الواقع بالعيش تحت سقف واحد يقتسمان فيه حلاوة الحياة ومُرها.
هُنا كانت الصدمة التي لم يتوقعها علي، فتلعثم ولم يستطع الحديث، وأسرع إلى منزل حبيبته، فوجد النواح يملأ المنزل.
انهارت مير من صدمة فقدانها شقيقها الأصغر، وظل علي يواسيها، غير أن وقع الصدمة كان كبيرًا.
بعد مرور أسبوع، حاول أهل الحبيبين (علي، ومير) أن يخففوا من حزنهما، وقرروا أن يتم تأجيل كل مراسم الزواج لمدة قصيرة، لكن الحجوزات التي قام بها علي، ومير ستذهب أدراج الرياح، وسيكلفهما ذلك مبالغ إضافية أخرى، وإيجاد حجوزات أخرى.
بعد مدة وجيزة حاول العاشقان الخروج من بوتقة الحزن، والبدء من جديد في ترتيبات الزواج، غير أن تفشي وباء (كورونا) في منطقتهم حال دون ذلك، لا سيما بعد أن اكتشفا بأن شقيق مير توفي متأثرًا بهذا الوباء.
ضجت المنطقة عن بكرة أبيها من وباء (كورونا)، وأصبح الجميع في حالة استنفار خصوصًا بعد وفاة عدد كبير من الأهالي.
شيوخ وكبار المنطقة تداعوا لمناقشة هذه الطامة التي حلت بهم، وفي كيفية مواجهة وباء (كورونا) الفتاك الذي حصد الكثير في المنطقة. وبعد مناقشات مستفيضة، لم يجدوا أي حل؛ فالعالم كله بتطوره التكنولوجي الرهيب عجز عن إيجاد حل لهذا الوباء، لكنّ إمام وخطيب المنطقة الشيخ (محمد)، الذي كان أرجحهم عقلًا ومعرفةً بالدين، أكد أن هذا ابتلاء من الله تعالى، ويجب حمد الله وشكره على كل حال.
وقال شيخ المنطقة (محمد): "رغم أن وباء (كورونا) الفتاك عبارة عن فايروس لا يُرى بالعين المجردة إلا أنهُ جعل العالم عن بكرة أبيه يقف على شعرة!".. ووجه نداء إلى كافة أهالي المنطقة بتقوى المولى عز وجل، وأن يعلموا بأن قدرة الله فوق كل البشر مهما تطور البشر، ومهما اخترعوا من اختراعات وابتكارات.
واستجمع الشيخ قواه، وقال بصوت عالٍ سمعه كل من في المنطقة: "علينا الرجوع إلى الله، واستغفاره، وطلب رحمته، فلا منجد إلا الله".
افترق الناس، وهم مدركون بأن الحل من عند الله وليس من البشر، فضجت المنطقة بذكر الله، وانتشرت حلقات الذكر في مساجد ومنازل المنطقة.
دُهشت مير من كلام حبيبها، وعزيمته وإصراره، وقالت: أحبك يا هذا كثيرًا.. ولكن!
بعد أسبوعين من التقرب لله، قرر العاشقان أن يسخرا جهودهما لتوعية أهل المنطقة من وباء (كورونا)، فقاما بعمل لوحات توعوية، وبروشورات تحتوي على كيفية الوقاية من الوباء.
ظل الوضع على هذا الحال لمدة شهر كامل، والعاشقان (علي، ومير) يبذلان جهدًا كبيرًا في مساعدة أهل المنطقة، حتى أنهما نسيا زواجهما.
اقتربا رويدًا رويدا، وشاهدا في لوحة كبيرة مكتوب عليها (حب عظيم في زمن كورونا)، انقبض صدر العاشقين، وأسرعا إلى وسط التجمع البشري، فإذا بهما يتفاجآن بأن حفل زواج سيُقام، لكن لم يعرفا لمن!.
عندما أوشك العاشقان على مغادرة المكان صرخ شيخ المنطقة باسميهما وقال: اقتربا يا بطليّ منطقتنا.
فصرخ جميع الحضور بصوت واحد "هذا حفل زواج من يستحقانه.. إنهما صاحبا حب عظيم في زمن كورونا".