> م. ابتسام عبد الله ناصر عمير

  • ​دراسة حالة مدينة عدن.
م. ابتسام عبد الله ناصر عمير
م. ابتسام عبد الله ناصر عمير
ارتبطت نشأة قوانين وتشريعات البناء بنشأة العمارة وتوسعها واختلاف أنماطها وطرازها عبر العصور، ومع تطور العمارة تطورت القوانين تبعا لمعطيات ومتطلبات كل عصر، وتبعا لحاجة المجتمع المستمرة إلى ما ينظم واقعه البنائي داخل المدن في ظل المتغيرات التي يشهدها على مر التاريخ.
وقامت هذه الدراسة بتقويم واقع البناء في المناطق والأحياء السكنية لمدينة عدن بجنوب اليمن، وتقديم دور المنظومة التشريعية اليمنية للبناء بداخلها خلال الثلاثة العقود الماضية، وتسليط الضوء على نواحي القصور فيها، التي جاءت على راسها شمولية القوانين، وتجاهل المشرّع للمعطيات المحلية والبيئية في مدينة عدن، ولتأثير متغيرات مرحلة ما بعد عام 1990م (مرحلة الوحدة اليمنية) على مناطقها السكنية، الأمر الذي انعكس سلبا عليها.

ومن هنا ظهرت الحاجة إلى قوانين وتشريعات تنظم واقع البناء في المناطق والأحياء السكنية لهذه المدينة في ضوء أطر فكرية حاكمة لها (أطر تنطلق من معطيات الواقع المحلي والبيئي للمدينة، ومن متغيرات المرحلة) حتى تستطيع هذه القوانين معالجة المشكلات المعمارية والعمرانية وبداخلها، ومن هذا المنطلق هدفت الدراسة إلى صياغة أطر فكرية حاكمة للعمارة السكنية في مدينة عدن بهدف تطوير المنظومة التشريعية للبناء بما يسهم في معالجة المظاهر السلبية داخل أحياءها ومناطقها المختلفة.

وارتكزت الدراسة على محورين رئيسن هما: محور نظري: استخدم فيه كل من المنهج الوصفي، والتاريخين والاستنباطي للوقوف على العصور التاريخية التي نشأت وتطورت خلالها العمارة ونظم البناء، والكشف عن الأطر الفكرية الحاكمة في كل عصر منها، وأبرز محاور تلك الأطر، ورصد وتقويم دور قوانين وتشريعات البناء في المناطق السكنية لبعض المدن العربية والغربية وفي ظل المتغيرات التي شهدتها، وتناول بدايات نشأة العمارة السكنية وأنماطها في مدينة عدن، وتقويم واقعها خلال أهم ثلاث مراحل تاريخية عاصرتها المدينة، ورصد قوانين وقرارات المنظومة التشريعية اليمنية للبناء الصادرة خلال مرحلة ما بعد عام 1990م، التي عانت خلالها أيضا العمارة السكنية في المدينة من عدد من المظاهر السلبية حتى وقتنا الحالي.

محور ميداني: استخدم فيه كل من المنهج: التحليلي، والاستقرائي، إذ تم عمل دراسة مسحية لرصد وتحليل المظاهر السلبية التي شهدتها المناطق والأحياء السكنية في مدينة عدن في ظل متغيرات مرحلة ما بعد عام 1990م وقوانين البناء الصادرة خلالها، كما تم تقويم منظومة هذه القوانين في ضوء الدراسة المسحية، والكشف عن أوجه التقارب والاختلاف بين مدينة عدن ونماذج المدن فيما يتعلق بدور قوانين وتشريعات البناء دخل المناطق السكنية، والاستفادة من الطروحات والدراسات السابقة في تصنيف وصياغة الأطر الفكرية الحاكمة للعمارة السكنية بمدينة عدن لتطوير منظومة قوانين وتشريعات البناء بما يسهم في معالجة مشكلات مناطقها وأحياءها السكنية أو الحد منها.

وتمّ تقسيم الدراسة إلى خمسة فصول رئيسة عل النحو التالي:
الفصل الأول: تمّ فيه تعريف المصطلحات والمفاهيم ذات الصلة بالدراسة، وتناول نشأة نظم البناء وتطورها عبر العصور، والكشف عن الأطر الفكرية الحاكمة في كل عصر منها، التي شكلت من خلال محاورها الرئيسة مرجعية ارتكزت عليها هذه النظم.
الفصل الثاني: تمّ فيه رصد العوامل المؤثرة على واقع البناء في المناطق السكنية للمدن، خاصة في النطاقات ذات الطابع، وتقويم واقع العمارة السكنية في بعض المدن العربية والغربية في ظل المتغيرات التي شهدتها، وقوانين البناء الصادرة في كل منها، والكشف عن الأطر الفكرية الحاكمة لها، وأبرز محاور تلك الأطر، وبالتالي الاستفادة من تجارب هذه المدن بما يخدم تحقيق الهدف من الدراسة.

الفصل الثالث: تطرق إلى ظروف وحيثيات نشأة العمارة السكنية في مدينة عدن، والكشف عن أول عهد لها بقوانين البناء، وتقييم واقع البناء في أحياءها السكنية خلال ثلاث مراحل تاريخية هامة شهدتها المدينة وما حملته معها كل مرحلة من متغيرات وقوانين، مع التركيز على مرحلة ما بعد عام 1990م.
الفصل الرابع: تم فيه إجراء دراسة مسحية لرصد وتحليل المظاهر السلبية التي شهدتها المناطق والأحياء السكنية بمدينة عدن في ظل متغيرات مرحلة ما بعد عام 1990م وقوانين البناء الصادرة خلالها، كما تمّ فيه تقويم تلك القوانين في ضوء عملية المسح على أبرز نواحي القصور فيها، والكشف عن أوجه التقارب والاختلاف بين مدينة عدن ونماذج المدن السابقة بغرض الوصول إلى السبل المناسبة لتحسين أداء المنظومة التشريعية اليمنية للبناء في المناطق السكنية للمدينة.
الفصل الخامس: سعت الدراسة في هذا الفصل ومن خلال كل الطروحات والدراسات السابقة ومناقشتها وتحليلها إلى تصنيف وصياغة الأطر الفكرية الحاكمة للعمارة السكنية بمدينة عدن لتطوير قوانين وتشريعات البناء بما يسهم في معالجة المظاهر السلبية بمناطقها وأحياءها السكنية.

النتائج والتوصيات:
وتوصلت الدراسة لعدة نتائج، أهما: انه يمكن تصنيف الأطر الفكرية الحاكمة للعمارة السكنية في مدينة إلى أطر فكرية عامة وإطار فكري خاص بالمدينة وهو المتمثل بـ "خاصية التنوع الثقافي"، وتنقسم الأطر الفكرية العامة إلى:
- أطر نمطية تشكل ثوابت بالنسبة للعمارة السكنية في مدينة عدن وتتمثل بـ: الجوانب البيئية، والقيم الاجتماعية والثقافية والدينية، والسلامة الإنشائية للمباني، والطابع المعماري والنسيج العمراني.

- وأطر غير نمطية تمثل المتغيرات (قابلة للتغير والتعديل مع مرور الزمن للتكيف حسب معطيات ومتطلبات كل مرحلة تاريخية تشهدها المدينة) وتتمثل بالجوانب: السياسية، والاقتصادية، والإدارية، والتشريعية، والعمرانية الحاكمة.
ويُستمد من معظم الأطر الحاكمة المقترحة المحاور التي يجب أن ترتكز عليها المنظومة التشريعية للبناء لوضع القواعد الملزمة، والمعايير والاشتراطات المناسبة، واللوائح التفصيلية للبناء في المناطق والأحياء السكنية بمدينة عدن بما يسهم في معالجة مشكلاتها المعمارية والعمرانية أو الحد منها.

وانتهت الدراسة بعدة توصيات، أهمها: أن يستند المشرّع اليمني إلى الأطر الفكرية الحاكمة المقترحة، ويقف على محاورها الرئيسة في أي تعديلات قادمة لمنظومة قوانين البناء أو في حالة وضع قانون بناء متكامل خاص بمدينة عدن، حتى يستطيع أن يعيد إلى هذه المدينة تنظيمها وازدهار عمرانها، ويحفظ لبيئتها السكنية التقليدية أصالتها التي تميزت بها في حيها القديم، ويُبقي على خصوصيتها من تنوع أنماط وطرز العمارة في أهم أحياءها السكنية، التي تعتبر شاهدا على مرحلة تاريخية هامة عاصرتها المدينة، ويخلق حلقة وصل بين القديم والجديد بداخلها في اطار الهوية والانتماء للمكان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* دكتوراه الفلسفة في الهندسة المعمارية بكلية الهندسة جامعة عدن.
* ملخص لدراسة قدمتها الباحثة أثناء مناقشة رسالتها للحصول على درجة الدكتوراه في العمارة من قسم الهندسة المعمارية – كلية الهندسة جامعة أسيوط جمهورية مصر العربية.