غيّب الموت الثلاثاء الماضي، قامة علمية وإعلامية كبيرة هو الأستاذ أحمد عمر بن سلمان، صاحب أشهر برنامج علمي يقدم من إذاعة عدن لأكثر من نصف قرن: العلم والإنسان.

من حيث الميلاد والنشأة، ينتمي بن سلمان إلى غيل باوزير مدينة العلم والنور والمعرفة، ومن حيث الأصول والتاريخ، إلى حضرموت التي عرفت أقدم المملكات الحضرية في التاريخ، فكانت كلمة السر بينه وبين العلم الذي شغف به، والذي ليس له حدود ولا جغرافيا، بل يتدفق كالنهر في جريانه يسقي ويشرب وينهل منه الجميع؛ فكان العلم والإنسان مشروعه وبرنامجه إلى آخر يوم في حياته، لم يتوقف عن تقديمه إلا بتوقف إذاعة عدن عن البث.

كان صوته وبرنامجه - العلم والإنسان - أحد أهم مميزات برامج إذاعة عدن، وأكثر البرامج نجاحا ومتابعة، مع ما في العلم من تعقيدات ومصطلحات، لكن أحمد عمر بن سلمان جعل منه عن طريق التبسيط والسهل الممتنع وذلك الإلقاء المميز واللذعة المحببة، في متناول كل مستمع أيا كانت درجته أو نصيبه من العلم والمعرفة. كان أستاذا في فن التقديم والإلقاء لا يضاهى، ومعلما في تبسيط العلوم لا يبارى، فاستولى على قلوب الناس من كل الأعمار وكل المستويات.

لا أظن الإذاعات عرفت برنامجا يُقدم لأكثر من نصف قرن دون توقف، ومع ذلك حظي بكل ذلك القدر من المتابعة والنجاح، ولا برنامجا صمد في الخارطة البرامجية طوال أكثر من نصف قرن دون تغيير له ولا لمقدمه.

كان هناك بالتأكيد سر وراء ذلك، أحدهما أحمد عمر بن سلمان العالم والإعلامي الفذ، والثاني الإنسان المتعطش إلى العلم والمعرفة وكل مفيد في هذا المضمار فوجده فيه وفي برنامجه، فاتحد العنصران وشكلا ذلك النجاح العبقري.
ولا أُخفي سرا إذا قلت إنني كنت رغم كل مشاغلي من المثابرين على متابعة بن سلمان في "العلم والإنسان" وفي برنامجه الصباحي "كلمتين اثنين".
موته خسارة لا تعوض.

له الرحمة ولروحه السلام.