كانت"الحالمة" كما يطلق على "تعز" أبناؤها؛ طفل رضيع في حضن أم رؤوم، ولعل التوصيف الرائع قد بقي في خابية الذاكرة من لوحة فنان حاذق جعل الجبل المنيف (صبر) أمٌّ تحتضن رضيعها (تعز المدينة).
كانت تعز؛ مطلع السبعينيات من القرن الماضي؛ تشكل لوحة سريالية جميلة، ولكنها غير مألوفة لمن هم أمثالنا من الصاعدين من الجنوب إلى تعز، الأمطار اليومية عقدت اتفاقًا مع ظهيرة كل يوم صيفي لتنهمر بتلك الغزارة غاسلة الجبل والمدينة من كل ما علق بهما وراسمة أفقًا كحليًا بعد أن تبتلع الأرض سيول المطر.
وبعيدًا عن تعز تقع قرية (الحوبان)؛ هي بعيدة بالمعنى الفيزيائي للكلمة قبل أن تلتصق (الحوبان) اليوم بتعز وكأنها شارع من شوارعها.
وغير بعيد من هنا كانت تبتنى ركائز اقتصادية مؤسسية سوف تغدو لاحقًا مفخرة اليمن الاستثمارية. أما صاحبها الشيخ الجليل هائل سعيد أنعم - رحمه الله - فقد عرفناه نحن الصغار بثيابه البيضاء وهالة النور على وجهه وهو يقف بسيارته المرسيدس المتواضعة في حارتنا ويخرج السائق وبيده عدة ظروف يوزعها بصمت على أصحاب البيوت من النازحين وكأن صاحب المأثرة قد قرأ معاناتهم.
وكان لابد لهذه المؤسسة الاستثمارية العملاقة؛ مع المدى، أن تنشئ مؤسسة السعيد الثقافية كتأصيل لازم لتعز الاقتصادية وتعز الثقافية وهي متلازمة جينية لأشطر تجار العالم - كما وصف تجار تعز الكاتب المصري الكبير جدًا أنيس منصور - والثقافي الفكري الذي امتاز به أبناء الحالمة.
كان الأستاذ فيصل يرسم ملمحًا من ملامح الثقافة في تعز واليمن على السواء.
وكان كعب الرجل عاليًا ثقافة، ولكنه جم التواضع لا يفوت فرصة لأن يطوف بك أرجاء مؤسسته ومكتبتها العامرة، ويحجزك - هكذا - طوعًا أو كرهًا لحضور أمسية شعرية أو صباحية ثقافية أو للاستمتاع بتغريدات تعز الصوتية والموسيقية.
لفيصل سعيد فارع أين ما كان التحية والدعاء الصادق أن يكون في أحسن حال.