يقول الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى:
‏وما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
متى تَبعَثـوها تَبعَثوها ذَميمَةً
وتَضـرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحـى بِثِفـالِها
وتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ

لا يختلف اثنان في أن الشعب يريد أمنا واستقرارا ومرتبات وخدمات ويقضي على الثأرات، ويريد أن يستغل ثرواته وتفتح موانئه للتجارة وتنشط أسواقه وتنخفض أسعاره، وأن الحال في أوساط الشعب قد بلغ مبلغًا فوق الاحتمال، لكن الحرب وإن صمتت بنادقها فهي تمزّق العقد الاجتماعي وتقطّع نسيج المجتمع ولم يعد يملك خياره، فتفرض ثقافتها ومعاملاتها وآثارها وآلامها وفواجعها وغلاء أسعارها وجوعها وخوفها وفسادها، تطرق الآمن فتخترم أحب ما لديه، تحرم المواطن من ضروراته وضرورياته، في الحرب يفشو الفساد في المؤسسات وتتراخى الأنظمة والقوانين فهيبة الشرطي ليست هي، والقاضي يفقد الحماية فلم يعد قادرًا على إصدار أحكامه.

وهل الأمن إلا قاضٍ يفصل في الحقوق ورجل أمن يخافه المجرم والباغي؟

في الحرب يزداد جشع التاجر ويتقرب من السلطة الأفاك والفاجر وقليل الذمة، وفي الحرب يقل وازع الخوف من السلطان بعد أن يقل الوازع بالقرآن فيطفو على سطح المجتمع كل اسوداد وقبح وقيح ظل راكدا في قاعه.
في الحرب تظهر دكاكين سياسية بل أكشاك بيع "تمبل سياسي" أو "صنادق قات سياسي"، ويبرز من "يظن أنه شيء مذكور"، ومع ذلك فهي ظاهرة حرب تضمحل وإن قُرِعت لها طبول.

الحرب تمنع الاستقرار فلا تنتظم تنمية ولا يسود أمن، ويعلو سلوك البلطجة والكل يلوم الكل، في الحرب لا يوجد عدو شماعة ومن يقول هكذا فهو طيب، في الحرب الاخفاقات من الكل وعلى الكل وأي مشروع معادي ليس من الماضي، بل حيّ يعمل وينشط ويكيد ويترقب ويخرّب ولا يتحمّل مسؤولية تخريبه، في الحرب لا شيء اسمه ماضٍ نتركه خلفنا، الماضي يكون حين تضع الحرب أوزارها ويعرف كل ذي حق حقه.

ومع كل مآسي الحرب وبلاويها وظلمها وخوفها وقهرها فلا بد من نقد الفشل والفساد وتصحيح الأخطاء أينما كانت والمجاهدة بالقول والنصيحة ويتكاتف الجميع في ذلك، فالوطن للجميع وبالجميع وعلى خيار أغلبيته فيكفي استقواء بالسلطة يتقوى بها تيار ويفرض أجنداته فذاك خيار أنتج الحرب، دون خيار الأغلبية سيظل الجميع يدور في حلقة مفرغة.