> "الأيام" سبوتنيك
مؤشرات عدة وتقديرات للمراقبين تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي، بات أمام أزمة غير مسبوقة، يمكن أن تنتهي بتفككه خلال وقت قريب، إثر الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الرضوخ للإملاءات الأمريكية.
وتتفاقم الأوضاع الاقتصادية في أوروبا بوتيرة سريعة، في ظل توقعات لعدة مؤسسات وبنوك بموجة ركود أكثر عمقا عما كان يتوقع في وقت سابق.
في نوفمبر الماضي، قدر معهد "آيفو" الألماني، أن تستنزف أزمة الطاقة نحو 64 مليار يورو (نحو 64 مليار دولار) من برلين هذا العام، ومن المتوقع أن تتجاوز هذه الخسائر في الفترة بين 2021-2023 قرابة 110 مليارات يورو.
- خسائر ألمانيا
من حيث الناتج الاقتصادي الوطني، من المتوقع أن تخسر ألمانيا 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام و0.2% في عام 2023. خسرت البلاد 1.8% بعد الجائحة في عام 2021.
في الإطار قال الأكاديمي والمحلل السياسي الجزائري رمضان بوهيدل، إن أوروبا باتت الخاسر الأكبر من الأزمة الأوكرانية، خاصة في ظل الاعتماد شبه الكلي على الغاز الروسي.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن بعض الدول رفضت الرضوخ للضغوط الأمريكية والبعض استجاب، مما جعل أوروبا خاسرة بدرجة أكبر، خاصة أنها لم تجد تعويضا للغاز الروسي لا من الجزائر ولا قطر ولا النرويج كما كان يدور الحديث.
ولفت إلى أن بقاء الوضع على حاله يزيد الأزمة في أوروبا تأزما، خاصة بعد تراجع دور بعض الدول الأوروبية ومنها فرنسا على الصعيد الدولي، بعد أن انشغلت بشكل أكبر في الأزمات الداخلية.
- تقديرات العجز
وجاء في تقرير الوكالة الدولية للطاقة: "إذا توقفت إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية إلى الاتحاد الأوروبي تماما وعادت واردات الغاز الطبيعي المسال الصينية إلى مستويات 2021، فقد تواجه أوروبا فجوة في العرض والطلب تبلغ 30 مليار متر مكعب خلال فترة الصيف التي تعتبر أساسية لإعادة تعبئة مخزون الغاز في عام 2023".
من ناحيته قال محمد سعيد الرز المحلل السياسي اللبناني، إن حسابات أوروبا لم تتطابق مع المشروع الأمريكي العدائي، وكذلك لم تكن مسارات المواقف الأوروبية ضد روسيا تتسم بقواعد التحالف المعروفة دوليا، لأنها واجهت استفرادا أمريكيا في القرار، رغم كل ما يترتب عليه من آثار وعواقب على كاهل المواطن الأوروبي.
وأوضح" لقد ظنت الحكومات الأوروبية أن ردة الفعل الروسية على ارتمائها في الحضن الأمريكي ستكون معتدلة نوعا ما، أو متفهمة لنوعية الروابط بين أطراف حلف الأطلسي، لكنها فوجئت بموقف روسي حازم، مفاده معاملة "الند للند"، خاصة وأن موسكو كانت على وعي تام بأسلوب ابتزاز أمريكا لحلفائها قبل خصومها".
- أزمات متتالية
ولفت إلى أن ما وقع للدول الأوروبية يفسر انسحاب إسبانيا والبرتغال وإيطاليا من مواكبة أميركا في حربها ضد روسيا، وكذلك أسباب الزيارات العديدة من قادة أوروبيين إلى واشنطن والنتائج التي عادوا بها.
وتابع "المستشار الألماني قلص نفقات الدفاع ببلاده، في حين أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عاد وهو أكثر إحباطا وأدلى بتصريح هدد فيه بـ"اتباع سياسة أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة".
ولفت إلى أن الاضطرابات الداخلية في فرنسا دفعت بماكرون إلى مواصلة الانفتاح على السعودية ودول الخليج العربي، في ظل تأزم العلاقة بين واشنطن والسعودية.
ويرى أن أوروبا وقعت في أزمة أكبر عندما حددت سقف الأسعار للغاز الروسي، خاصة أن واشنطن وقفت موقف المتفرج على تردي الوضع الأوروبي، في حين أنها أقل أطراف الأطلسي خسارة.
مشيرا إلى أن استمرار هذا الخلل الذي يتوسع يوما بعد يوم داخل حلف الناتو، يؤدي في ظل سياسة النفس الطويل التي تتبعها روسيا، إلى تهالك هذا الحلف، واضطرار أوروبا إلى وقفة مراجعة، تتجه بها إلى خيار الاستقلال أكثر فأكثر عن واشنطن، بعد أن يصبح الخيار الوحيد أمامها.
- تقديرات اقتصادية
وقالت وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال فلاش" في وقت سابق من الشهر الجاري، لمديري المشتريات في منطقة اليورو "تعمق التباطؤ الاقتصادي في منطقة اليورو في سبتمبر، مع تقلص النشاط التجاري للشهر الثالث على التوالي... وعلى الرغم من كونه متواضعاً، فإن معدل الانخفاض تسارع إلى وتيرة هي الأشد حدة منذ عام 2013، باستثناء حالات الإغلاق الناجمة عن الجائحة".
وفي وقت سابق ذكر مدير معهد العلاقات الدولية في جامعة رينمين الصينية، يوي وانغ، أن الاتحاد الأوروبي بدأ في التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة قد "خدعته"، حين فرض المزيد والمزيد من العقوبات ضد روسيا.
ورجح هونغجيانغ تسوي، مدير الإدارة الأوروبية في معهد الصين للدراسات الدولية أن "تتحول الحزمة السابعة الجديدة من عقوبات الاتحاد الأوروبي إلى تصرف رمزي إلى حد كبير، إذ لا يمكن لأعضاء الاتحاد الاتفاق على العديد من القضايا".
وتستمر الأسعار في أوروبا في الارتفاع بسبب أزمة الغاز، إذ إن 70% من الإنتاج توقف، وهو ما يجبر السكان على اتخاذ إجراءات متطرفة".