أبو عبيدة بن الجراح

حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبو عبيدة أمير الجند هناك ، فخشي عليه عمر من الطاعون ، فكتب إليه يريد أن يخلصه منه قائلا: (إذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح إلا متوجها إلي ، وإذا وصلك في الصباح ألا تمسي إلا متوجها إلي ، فإن لي حاجة إليك، وفَهِمَ أبو عبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وأنه يريد أن ينقذه من الطاعون، فكتب إلى عمر رضي الله عنه متأدبا
وكان أبو عبيـدة - رضي الله عنه- في ستة وثلاثيـن ألفا من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا، ومات أبو عبيـدة - رضي الله عنه- سنة 18 ثماني عشرة للهجرة ، في طاعون عمواس ، وقيل أن قبره في غور الأردن.
هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أُهيب بن ضَبة بن الحارث بن فِهْر، ويجتمع في النسب مع النبي صلى الله عليه في فهر ، بن مالك بن النَّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشي الفهري المكي.
قدم أهل نجران على النبي-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه أن يرسل إليهم واحدا، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لأبعثن -يعني عليكم- أمينا حق أمين ). فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها ، ولكن لينطبق عليهم وصف النبي -صلى الله عليه و سلم: "أمينا حق أمين" وكان عمر نفسه رضي الله عليه من الذين حرصوا على الإمارة لهذا آنذاك ، بل صار -كما قال يتراءى- أي يري نفسه - للنبي صلى الله عليه وسلم- حرصا منه _ رضي الله عنه _ أن يكون أمينا حق أمين ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم- تجاوز جميع الصحابة وقال: (قم يا أبا عبيدة).
كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يجود بأنفاسه: ( لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيًا لاستخلفته فإن سألني ربي عنه، قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله).
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه :"لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا، فقلت : اللهم اجعله طاعة، حتى إذا توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو أبو عبيدة بن الجراح قد سبقني، فقال: ( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فتركته، فأخذ أبو عبيدة بثنيته إحدى حلقتي المغفر، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم ) وكانت هذه الثرمة جعلت من ثغره أحسن ثغر.
[img]6ty286s5 copy.webp[/img]
أما غزواته ، فقد شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم جميع المعارك، بدءًا بغزوة بدر، حيث قيل أنه قتل أباه، فتح الله على يديه الفتوح، وكان بطلاً مغواراً رضي الله عنه وأرضاه.

في أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الأمبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- ، وتولى الخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد، وصل الخطاب إلى أبى عبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة، ثم أخبر خالدا بالأمر، فسأله خالد:( يرحمك الله أباعبيدة، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟) ، فأجاب أبو عبيدة :( إني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة ) ، وأصبح أبو عبيدة أمير الأمراء بالشام.
معتذرا عن عدم الحضور إليه وقال: ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك، وإنما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم، فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين ) ولما وصل الخطاب إلى عمر بكى، فسأله من حوله: (هل مات أبو عبيدة ؟) فقال : (كأن قد) ، والمعنى: أنه إذا لم يكن قد مات بعد، وإلا فهو صائر إلى الموت لا محالة، إذ لا خلاص من الطاعون .