> د. خالد محمد باطرفي:
(لا بدّ من صنعاء وإن طال السفر)... وقد طال عشر سنوات عجاف منذ الأزمة اليمنية، التي بدأت بخروج الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح من السلطة، عام 2012، وتسليمها لنائبه عبد ربه هادي، ثم العمل على تقويضها من الداخل، بالتعاون مع خصوم الماضي في صعدة.
- "المعركة المقدسة"
خططت إيران ودعمت الانقلاب بالمال والسلاح والخبرات، لكنها تقاعست عن دعمه بالدم والدواء والطعام. ثمّ لما تعرقل تنفيذ الاتفاقية النوويّة، وعادت العقوبات الدولية، وتحسّنت قدرات التحالف على كشف ومصادرة السلاح المهرّب، انخفض الدعم السابق، ونصحت الحوثي باحتلال مأرب مهما كان الثمن، للاستفادة من آبارها النفطية، ووجّهت حزب الله بتوفير الخبرات العسكرية والقيادية.
- إحياء المبادرة السعودية
تحوّلوا إلى تكثيف القصف المباشر على دول التحالف، خاصّة السعودية، واستهدفوا المدن والمناطق الحيوية المدنيّة، وآبار النفط وممرات الشحن الدولية، فردّ الحلفاء بقصف مخازن الطاقة حتى لم يعد لديهم وقود لمعداتهم العسكرية، فطلبوا الهدنة، وقبلوا بشروطها المقدّمة منذ عام 2016، في ماراثون الثلاثة أشهر من المباحثات اليمنية في الكويت، والتي أوشكت على توقيع اتفاق في مكة المكرمة، لولا دعوة رئيس الوفد المفاوض إلى سلطنة عمان، وتلقّيه تعليمات إيرانية بفسخ كلّ ما تمّ التوافق عليه.
وطرحت مبادئ المبادرة السعودية للسلام في اليمن عام 2018، بعد معركة الحديدة، التي أوقفت لأسباب إنسانيّة، وتمّ تبنّي بعض ما جاء فيها في عمان ثمّ في استكهولم. وطرحت مرة أخرى عام 2021، إلا أنّ الحوثي اختار طريق الحرب بإطلاق حملة "الحرب المقدسة" في مأرب، لتأمين موارد جديدة من آبارها النفطية، بعد أن ضعف الدعم الإيراني نتيجة لفشل مباحثات الاتفاق النووي واستمرار العقوبات الدولية.
- المسوّدة النهائيّة
تنصّ المبادرة على أربعة محاور: وقف إطلاق النار، والسّماح بإيداع الضرائب والإيرادات الجمركيّة لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك في البنك المركزي اليمني بالحديدة، وفق اتفاق ستوكهولم؛ ثم السماح بعدها بفتح مطار صنعاء وبدء مشاورات الحلّ السياسي بين الأطراف اليمنية برعاية سعودية على مدى عامين، يتم خلال ذلك انسحاب تدريجيّ لقوات التحالف.
- تعنّت اللحظة الأخيرة
كان المؤمّل أن يتمّ التوقيع عليه من كافة الأطراف في مكة المكرمة خلال العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل، لولا تعنّت الحوثي في اللحظات الأخيرة، وإصراره على شروط جديدة؛ المعلن منها يحدّد السعودية كطرف مكافئ، في صراع بين بلدين، وليس وسيطا محايدا، والمخفيّ منها مطالبات مادية من بينها ضمّ أربعين ألفا من اتباع الحركة إلى كشوفات رواتب موظّفي الدولة، واستبعاد الحكومة الشرعيّة من الحوار.
- خريطة الطريق
وحسب مصادر مسؤولة، فإنّ ما تمّ تقديمه في المسوّدة المطروحة خريطة طريق لمسار السلام اليمني. ودور السعودية في هذه المرحلة هو دور الراعي، ضمن منظومة رعاة الملف اليمني في مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة. فمن يقرر مصير الجمهورية، ومن يقرر خيار الوحدة أو الكونفدرالية أو الفيدرالية أو الانفصال، ومن يحدد وضع إقليم حضرموت في النظام الجديد، هم ممثلو كافة المكونات اليمنية.
- إزاحة العراقيل
تجدر الإشارة هنا إلى أن الاتفاق السعودي - الإيراني هيّأ الأجواء المناسبة للمباحثات، وأزال عراقيل المسار، وشجّع كافة الأطراف على المشاركة بإيجابية وإخلاص، بعيداً عن الضغوط السلبية، والإملاءات الخارجية. لكن الاتفاق الأمني مع إيران لم يشمل المشكلة اليمنية، فهو إحياء لاتفاقية سابقة وقّعت عام 2001، قبل وقت طويل من نشوء الأزمة، والتركيز فيه على قضايا ثنائيّة وشؤون سعودية - إيرانية بالدرجة الأولى.
- الأسئلة المقبلة
وتبقى الأسئلة: هل سيُنهي اتفاق مكة المكرمة المنتظر الخلافات كافة بين اليمنيين؟ وهل سيقى ميزان القوى على حاله بعد انسحاب قوات التحالف؟ هل ستستمرّ الوحدة على ما كانت عليه أم ستتحوّل إلى دولة فيدرالية، حسب نظام الأقاليم المتّفق عليه قبل الانقلاب الحوثي، أم أن الانفصال والعودة إلى ما قبل دولة الوحدة في 1991 بات أمرا محتوما؟ وما هو موقع دولة الجنوب من الخريطة؟
لنأمل وندعو في هذا الشهر الفضيل أن يلهمهم حسن الاختيار وخير القرار.