> حاوره/ أحمد عبد الوهاب:
ما يشهده السودان اليوم ربما لم يحدث له من قبل، فبعد أن كان على بعد خطوات من مطالب الثورة بالحكم المدني الديمقراطي حدث الانقلاب في 25 أكتوبر 2021.
وبعد ما يقارب العامين وبعد توقيع الاتفاق الإطاري والاقتراب من تسليم السلطة للمدنيين، كانت الأزمة والحرب بين الدعم السريع والجيش السوداني والذي لا يزال يحصد المئات من السودانيين بين قتيل وجريح ويهجر الآلاف.
حول الأزمة الراهنة ومصير الصراع السوداني والمواقف الدولية والإقليمية ومستقبل السودان أجرت وكالة "سبوتنيك" المقابلة التالية مع السفير طارق كردي، رئيس تجمع السودانيين بالمنظمات الدولية وسفير السلام العالمي.
- بداية.. لماذا اشتعل الصراع في السودان بين رفقاء السلاح والسياسة.. وهل كان الأمر متوقعا؟
- إذا لماذا قامت الحرب؟
المواجهات التي تدور الآن في السودان كانت مؤجلة، حيث بدأ الخلاف بين الرجلين، الفريق أول عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة والفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع منذ فترة طويلة، وكانت هناك وساطات ومبادرات من عدد كبير من السياسيين والعسكريين ومن اللجنة الثلاثية والرباعية الدولية، جميعها كانت تعمل على تهدئة الأوضاع والخلافات بين الشخصين، نحن أمام جنرالين كلاهما لديه طموحات سياسية وعسكرية لن يتخلى عنها، حيث يقود حميدتي مليشيا كبيرة جدا من الدعم السريع، تضخمت وتوسعت في الآونة الأخيرة وبدعم كبير جدا من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي له طموحاته السياسية أيضا.
- الصدام كان حتميا كما تقول والآن اندلعت المواجهات.. كيف سيكون المشهد الأخير لهذا السيناريو؟
قوات الدعم السريع ولدت وترعرعت ونشأت في كنف الجيش برعاية النظام السابق، عمر البشير، وأسوأ ما قام به النظام السابق رغم مساوئه الكثيرة هو استخدام تلك المليشيات في حربه العبثية في دارفور، هذا الشيء هو الذي أدى إلى تمزق النسيج الاجتماعي ومآسي كبرى في دارفور نتيجة لاستخدام البشير لمليشيات قبلية مناطقية وقام بتربيتها كالأفاعي، وعندما كبرت تلك المليشيات (الأفاعي) كان أول من لدغته هو نظام عمر البشير.
وفي الوقت الحاضر وبعد سقوط البشير، كل قوات الدعم السريع التي كانت متواجدة بالخرطوم وجاء بها البشير لقمع المظاهرات السلمية ضد نظامه الذي سقط في أبريل 2019 ، في هذا التوقيت لم يكن قوام أو عدد تلك القوات يزيد عن 6 آلاف جندي، الآن هناك 60 ألفا من الدعم السريع فقط وبها 6 جيوش أخرى، جميعها جاءت إلى الخرطوم بموافقة القوات المسلحة التي لم يكن لها أي نظرة استراتيجية، بل رعت تطور وتنامي وتسليح قوات الدعم السريع، وبالتالي فإن قيادة الجيش والنظام السابق هم المسؤولون عما يجري الآن بين القوات المسلحة والدعم السريع والذي ستكون نتيجته تدمير كامل لهذا الوطن إن لم يتعاون الجنرالان ويحكموا صوت العقل و يوقفوا القتال.
- هل تتوقع أن تكون هناك تهدئة وتفاوض بين البرهان وحميدتي وإمكانية تعاون الطرفان مستقبلا؟
لا يمكن القضاء على القوات المسلحة السودانية، كما لا يمكن القضاء نهائيا على قوات الدعم السريع، لنا في السودان خبرة طويلة في هذا المجال، الحكومة أو الجيش السوداني والذي كان يعمل بالتنسيق مع الدعم السريع هناك، لم يستطيعوا القضاء على أي من الحركات المسلحة، وبالتالي لا أتوقع أن تتمكن القوات المسلحة السودانية من القضاء كليا على الدعم السريع، في المقابل لن يستطيع الدعم السريع هزيمة المؤسسة العسكرية صاحبة التاريخ الطويل وتأثيرها في وجدان الشعب.
- خروج قادة النظام السابق من السجون... ما تأثيره على المشهد الراهن في البلاد؟
مشيرا إلى قادة النظام السابق الذين خرجوا من السجون يمتلكون خبرة سياسية كبيرة جدا منذ السبعينات، وإن كنا نختلف معهم ومع ممارساتهم السياسية السيئة، ومن بين هؤلاء، علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع وعوض الجاز وأحمد هارون، وسوف يمثل هؤلاء الاستراتيجية والغطاء السياسي للعسكر الموجودين الآن، لكنهم لن يخرجوا إلى العلن كواجهة سياسية للبرهان وأتباعه، إنما سيكونون في الخلف يديرون هذا الأمر ويديرون الحرب، مما سيعقد الأمر تعقيدا كثيرا، لأن الشعب السوداني أجمع أن هؤلاء لا يمكن أن يعودوا إلى الواجهة و يحكموا السودان مرة أخرى، وهذا حدث عبر انتفاضة أو ثورة شعبية عارمة يعلمها الشعب السوداني والعالم أجمع.
- إذا ما هو الدور الفاعل الذي يمكن أن يقوم به قادة النظام السابق في المشهد الراهن؟
لن يستطيعوا أن يكون في الواجهة لأنهم مرفوضين رفضا باتا، لكنهم سيعملوا في الخفاء، هذا التلاقح ما بين العسكريين وهؤلاء القادة السياسيين سوف يعقد الأمر في السودان تعقيدا شديدا، ولن تكون هناك جولة مفاوضات ما دام هؤلاء انضموا إلى الجيش والحرب، وبالتالي الأمور ستكون معقدة تعقيد كبير جدا.
هناك اختلاف كبير وتصادم ما بين الرؤى السياسية للفريقين المتصارعين وتصادم ما بين الجنرال البرهان والجنرال حميدتي فيما يتعلق بالاتفاق الإطاري، الاتجاه الإسلامي يرفض رفضا باتا الاتفاق الإطاري، وهذا ما أدى إلى الصراع بين البرهان وحميدتي لأن حميدتي كانت تصريحاته واضحة وثابته، ولم تتزحزح أبدا أنه مع الاتفاق الإطاري وتسليم السلطة للمدنيين وذهاب العسكر إلى الثكنات، وهذا ما لا يريده البرهان، وهذا الاتفاق الإطاري هو ما لن تقبل به أبدا الحركة الإسلامية التي حكمت السودان 30 عام ويجعلها بعيدة تماما عن العمل السياسي في الفترة القادمة، والإسلاميين كانوا واضحين جدا في لقاءاتهم خلال إفطارات رمضان العديدة، أنهم لن يسمحوا أبدا أن يكون الاتفاق الاطاري ناجحا ويتطور إلى اتفاق سياسي نهائي، لأنه لا يخدم مصالحهم، لأن مصالحهم هى أن يعودوا لحكم السودان منفردين، وهذا أساس التصادم بين حميدتي والبرهان، ولن تستطيع الحركة الإسلامية أن تتوسط، لأنها طرف أصيل في هذا الصراع وهي التي قادت البرهان لهذه العملية.
- برأيك لماذا لم يكن هناك أي دور للقوى السياسية والأحزاب في الصراع الدائر بين العسكر؟
ولفت إلى أن هذه الصدمة هي التي جعلت الثورة ربما تترقب وتنتظر وتقرأ الخارطة العسكرية الموجودة الآن ومن الرابح، أي من الطرفين إذا ربح الحرب ستكون الثورة ضده، الثورة لن تقبل بالبرهان ولا بـ حميدتي، الثورة تريد نظاما مدنيا ديمقراطيا يعيد للسودان السلام والحرية والعدالة.
- ما قراءتكم لقيام غالبية دول العالم بسحب بعثاتها الدبلوماسية من السودان؟
أنا شخصيا ربما أكون واحدا من أكثر الناس الذين عاشوا في مناطق حروب، وواحدا من أكثر الناس الذين تعرضوا لإجلاء أو الإخلاء من هارجيسا في شمال الصومال ومن مقديشو العاصمة الصومالية، وأيضا فري تاون عاصمة سيراليون ومن مونروفيا عاصمة ليبيريا ومن كابول عاصمة أفغانستان، ما يعني أنني أدرك تماما وأعرف متى يتخذ صاحب القرار القرار السليم في حماية مبعوثيه من دبلوماسيين أو موظفين دوليين.
هناك أمران مهمان أولهما القراءة لما يدور، وهذه القراءة نتيجتها إما أن نبقى أو نخرج، فإذا قررنا البقاء هذا يعني أن الأمور ربما تتحسن، أما قرار الخروج فيعني أن قراءتنا للواقع العسكري والعمليات والمواجهات المسلحة، أنها تسير من سيئ إلى أسوأ وأعتقد أن كل الدول التي سحبت دبلوماسييها والمنظمات التي أَجلت موظفيها وصلت إلى قناعة أن الوضع في السودان يسير من سيئ إلى أسوأ، وقد ينفرد عقد الأمن وتتعرض البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية والأفراد الأجانب إلى مخاطر جمة.
بالتالي كان القرار لا بد من مغادرة السودان، وهذا يعني أمرين، أن ليس هناك بوادر لحل عسكري، وإذا استمر هذا الوضع فتسوء الأحوال هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية المجتمع الدولي الآن يبعد خطوة وخطوة أخرى عن السودان، وهذا يعني رسالة إلى السودانيين، أيها الشعب السوداني حلوا مشاكلكم لوحدكم، لأننا حاولنا كثيرا معكم وأنتم لا تريدون إيجاد حل لمشاكلكم، وأنا اقول نحن في السودان لدينا خبرة طويلة في التدخلات الأجنبية لإيجاد حلول لمشاكلنا وكلها باءت بالفشل، لأن تركيبة السوداني لا تحتمل التدخل الأجنبي في أموره الداخلية البحتة.
- هل رصدتم تدخلات إقليمية أو دولية في الأزمة الراهنة سواء بالسلب أو الإيجاب؟
الوساطات الخارجية الإقليمية والدولية، إذا كانت بنية صادقة واعتراف كامل، واحترام لسيادة السودان واستقلاله ووحدة أراضيه، فهذا لا نرفضه، نعم هناك أطراف خارجية، إقليمية ودولية لها مصلحة في تأجيج الصراع ما بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، لكن هذا الصراع بأيادي سودانية، هذه الدول التي لها مصلحة في تأجيج الصراع لم ترسل جندي واحد، هذا الصراع بين سودانيين ويجب أن نعترف بهذا ولا نعلق أخطاءنا ومشاكلنا على شماعة الآخرين، المتحاربين سودانيين والمقاتلين سودانيين ومن فقدوا أرواحهم في هذه الحرب العبثية سودانيين، المدنيين الموجودين سودانيين.
الآن الشوارع مليئة بالجثث والمستشفيات لا تعمل بطاقتها ولا بنصف طاقتها، أكثر من 50 مستشفى خرج من الخدمة في مدينة الخرطوم، البنية التحتية في مدينة الخرطوم ربما تمزقت، فلا توجد كهرباء ولا مياه ولا مشتقات نفطية، أسعار تذاكر السفر إلى مصر أو إلى الأقاليم السودانية الأخرى تضاعفت عشر مرات، كل هذا بأيدينا نحن السودانيون.
وبالتالي أنا لا أؤمن أبدا أن أي دولة تستطيع أن تؤثر علينا تأثيرا سلبيا لدرجة أن نتحارب فيما بيننا ونقتل بعضنا وندمر وطننا، هذا من عملنا نحن ولابد أن يكون هناك حل سوداني - سوداني.
- احتجاز الجنود المصريين من قبل الدعم السريع في مروي... هل كان عفويا أم كان يحمل رسالة لأطراف بعينها؟
أنا لا أعتقد أن حميدتي بالغباء، الذي يجعله يذهب عنوة لاحتجاز جنود مصريين، هو يعرف ويدرك تماما أن لهذا الأمر ردود فعل محلية وإقليمية وعالمية دولية ضده إذا قام بهذا العمل، ولذلك أنا أعتقد أنه ذهب إلى مطار مروي ولم يكن القصد احتجاز الجنود المصريين في قاعدة مروي الموجودين حسب نص اتفاق بين الجيش السوداني والجيش المصري، لكن هو ذهب ليتمكن من مطار مروي وكان الجنود المصريون موجودين في هذا التوقيت بالقاعدة.
- ماذا عن الوضع الإنساني وكيف يعيش الناس؟
- ما هى رسالتكم للداخل السوداني وللمجتمع الدولي؟