التاريخ لا يدونه المشاهدون لأحداثه من على منصات المشاهدة المريحة، أو
الدوران حول ذاتهم ومصالحهم "الخاصة" وحساباتهم الضيقة التي تفقدهم مع
الأسف رؤية المستقبل بوضوح، بل أن من يضع أسس انطلاقته إلى الأمام هم كل
الأوفياء للجنوب وطنا وتاريخا وهوية، ونسيجا اجتماعيا متجانسا حافظا للتنوع
في كل خصائصه المحلية المتبادلة التأثير والتفاعل الإيجابي وفي مختلف
جوانب الحياة، ويدافعون بشرف عن إرادة وحرية شعبهم ومستقبله، والمستعدون
لدفع ضريبة التضحيات الواجبة على طريق السفر إلى المستقبل الآمن لشعبنا
الجنوبي العظيم.
وبذلك فقط نستطيع تحقيق لشعبنا هدفه الوطني الكبير الذي لا تراجع عنه والمتمثل بإستعادة دولته الوطنية المستقلة، ووفقا لآلية منظمة يتفق بشأنها مع أشقائنا في الشمال للوصول بعملية فك الإرتباط إلى محطتها الطبيعية التي تصون حقوق الجميع؛ وتضمن كذلك وضع الأسس والقواعد التي من شأنها الحفاظ على المصالح المشتركة والمتبادلة مستقبلا وتنميتها، وانسياب حركة التجارة والتنقل والعمل والاستثمارات في مختلف المجالات والمحمية بالقانون والاتفاقيات المنظمة لذلك بين الدولتين الشقيقتين.
إن طبيعة المرحلة التاريخية المعقدة والإستثنائية التي تمر بها قضية شعب الجنوب الوطنية المشروعة والعادلة، وبكل ما تحمله من مخاطر وتحديات كبرى ومؤثرة على حاضره ومستقبله ومستقبل ومصير أجياله القادمة، تتطلب من كل أولئك الذين يحرصون حقا وفعلا على كرامة وحرية شعبهم وحقه المطلق في استعادة دولته الوطنية الجنوبية المستقلة، أن يكونوا جزءا فاعلا ومتفاعلا مع آليات ومحطات الحوار الوطني الجنوبي القائم اليوم، وفيه يستطيعون وضع رؤاهم وأفكارهم بحرية كاملة، عوضا عن المقاطعة أو التحفظ عن بعد أو مهاجمتهم غير الحصيفة لهذه العملية الوطنية بامتياز، أو التشكيك بمصداقيتها ونتائجها وهم بعيدون أصلا عن خوضها كبقية شركاء الحياة السياسية من أبناء وطنهم.
فعبر الحوار والحوار وحده نضمن التوافق المسؤول المتحرر من المخاوف والأوهام التي تنبعث من المخزون النفسي التي تركتها المراحل السابقة عند البعض مع الأسف؛ ويستغلها أعداء شعبنا بذكاء وخبث شديدين وبأكثر من وسيلة دنيئة.