> ابتسام عبد اللطيف

عدن عروسة البحر الأحمر وثغر الجنوب الباسم، وزهرة المدائن، المدينة التي ذاع اسمها وذاعت شهرتها إلى كل أرجاء الدنيا من أقصاها إلى أقصاها، بموقعها الجغرافي المتفرد كهمزة وصل بين الشرق والغرب، وأهم ثاني ممر بحري في العالم، عدن التي تصارع حولها الفرس والرومان والأتراك والبرتغال واﻹنجليز، وكل يحاول
بكامل
عدته وعتاده أن يكون له موطئ قدم فيها، أجل هذه هي عدن التي لاقت من الأسماء والألقاب مالم تلاقيه أية مدينة في العالمين القديم والجديد فهي (الثغر الباسم) كما أطلق عليها الرومان  منذ مئات السنين، لأنها كانت دائمًا مبتسمة للحياة وتهب الحب والابتسامة لكل من يحبها وكان كل من يدخلها أو يسكن فيها يشعر بالهدوء والراحة والطمأنينة، ولا يحس أبدًا بأنه غريب فيها مهما كانت البلدان التي جاءوا منها فقد صاروا مع الزمن جزء منها، وكما لو أنهم من أبنائها، فقد ولدوا فيها وتربوا وترعرعوا فيها وشربوا من ماءها وأكلوا من خبزها وذاقوا من حلاوة  أسماكها، وصار لهم فيها أبناء وأحفاد احتضنتهم عدن وقاسمتهم العيش والملح ولم تبخل
عليهم يوما بكل ما لديها من حب وجمال وعطاء فبادلوها الحب بالحب والوفاء بالوفاء بسبب طيبة أهلها الذين عرفوا على مر التاريخ القديم والحديث بطيبة قلوبهم ونقاء سريرتهم
وكرمهم وسخاءهم ومسارعتهم إلى تقديم المساعدة لكل من يطلبها منهم دون مَنٍ أو أذى.

هذه هي مدينة عدن الجميلة والمعطاءة فهي اليوم تعاني ويعاني أهلها الطيبون من الجحود والنكران من بعض الأشخاص النكرة الذين يتلذذون ومنذ سنوات خلت في تعذيبها وتعذيب وتجويع أبنائها الطيبين ومحاربتهم في لقمة عيشهم وباحتياجاتهم الضرورية كالرواتب والماء والكهرباء والتعليم والتطبيب وفي الذهاب والترحال كما لو أنهم ليسوا بشرًا يجب أن يعيشوا معززين ومكرمين في وطنهم الجنوب العربي من باب المندب وحتى المهرة. فلقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية الضرورية بمعدل ألفين بالمئة خلال الأعوام العشرين الأخيرة وبالمقابل لم تحدث أي زيادة في أجور الموظفين لمواجهة غول الغلاء الفاحش الذي تحول إلى وحش كاسر ينهش

في بطون ذوي الدخل المحدود وبان ذلك واضحًا في أحوال أبناء عدن من رجال ونساء وكذلك الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، وخاصة في مادة الألبان التي صارت من الكماليات، كما ارتفعت بشكل
جنوني أسعار الأسماك التي اشتهرت بها مدينة عدن منذ أقدم الأزمنة ولأول مرة يتجاوز سعر الكيلو السمك في عدن الساحلية ال(10) ألاف ريال حتى إن كثيرا من أبناء عدن قد أحجموا عن تناول السمك، فلقد صار راتب الموظف العدني وخاصة المتقاعدين منهم ما يعادل قيمة (5) كيلو جرامات من السمك. أما الفواكه فقد غدت من الكماليات أو كما يقول المثل العدني (العين بصيرة واليد قصيرة).

وهذا كما يقولون "فيض من غيض) أما عن تدني الخدمات الأساسية فحدث ولا حرج فانقطاع الكهرباء لساعات طويلة تتجاوز ال (14) ساعة في اليوم فقد صار أمرا مألوفا لدى سكان عدن بشكل خاص وبقية محافظات الجنوب بشكل عام وخاصة في مثل هذه الأيام الصعبة التي تقارب ارتفاع الحرارة فيها إلى ما يعادل ال (40 ) درجة مئوية مما أدى إلى وفاة عشرات من أبناء عدن خلال الأيام الماضية. هذا جزء ﻻ يتجزأ من الألم والمعاناة التي تعانيه مدينة عدن وأبناؤها الطيبون الصابرون المسالمون كما لو أن من هم في أيديهم مقاليد الأمور يتلذذون وهم يشاهدون هذه الأوضاع المأساوية التي تزداد سوءًا من عام إلى آخر، بينما ينعمون هم وأسرهم برغد العيش والرفاهية من المال الحرام الذي يستحوذون عليه من ثروات شعب الجنوب دون أي شعور بالندم أو الخوف من الحساب والعقاب، وليس من القول إلا قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فالشكوى لغير الله مذلّة.