> داود عمر داود:
هل يأتي ذلك اليوم الذي تتوقف فيه التدخلات الخارجية، وتنتقل السيطرة على خيرات البلاد إلى أهلها؟ عسى أن يكون ذلك قريبا.
النزاعات الإقليمية في مجملها انعكاس لصراعات دولية أشد وأعمق، تعصف بالمنطقة، نتيجة التنافس الحاد بين القوى الكبرى على ثرواتنا.
أُضيف حقل الدرّة عنوانًا جديدًا من عناوين كثيرة مشابهة، يشكل كلُ واحدٍ منها بؤرةً من بؤر النزاعات الإقليمية، والتوترات، والصراعات، والحروب، الباردة والساخنة.
لم يمضِ وقتٌ طويلٌ على الاتفاق السعودي الإيراني، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، برعاية الصين، حتى طفا على السطح، فجأة، منذ أسابيع، خلافٌ جديدٌ، بين إيران من جهة، وبين السعودية والكويت، اللتين تشتركان في حقل الدرّة للغاز، الواقع في أعماق مياه شمال الخليج العربي، والذي تطالب إيران بحصةٍ فيه.
- غاز بحري
حقل الدرّة هو حقل غاز بحري مشترك يقع في المنطقة البحرية المحايدة بين الكويت والسعودية، أُكتشف عام 1967.
ويشير الخبراء إلى أن الحقل يقع في المنطقة المغمورة بمياه البحر، بين البلدين، (وهو مجرد مسمى، وليس مرتفعًا ولا جزيرة)، وكانت إيران تنازع الكويت للحصول على جزء منه نظرًا لموقعه الحدودي.
وكان من المفترض أن يبدأ إنتاج الغاز من الحقل، منذ فترة طويلة، لكن ما أعاق ذلك موقعه الحدودي، الذي جعله محل خلاف، وقد بدأ استخراج الغاز منه سنة 2013.
وفي شهر ديسمبر الماضي 2022، وقعّت كلُ من السعودية والكويت مذكرة تفاهم للتشارك في تطوير "حقل الدرّة"، لرفع إنتاجه إلى مليار قدم مكعب من الغاز يوميا.
وفي مطلع شهر يوليو الجاري، 2023، أعلنت السعودية أن الحقل مملوكٌ حصريا لها ولدولة الكويت، وأنهما تملكان حق السيادة الكاملة عليه. ودعت الدولتان إيران إلى البدء بترسيم الحدود البحرية.
ترفض السعودية والكويت المطالبة الإيرانية بحصة في "حقل الدرّة"، وتقولان إن ثروات الحقل مشتركة بينهما بالمناصفة فقط لا غير، وانهما أوضحتا هذا الموقف للجانب الإيراني. وتصران أنه (ليس لأي طرف آخر أي حقوق في "حقل الدرّة" حتى يتم ترسيم الحدود البحرية).
- الموقف الإيراني
أما إيران فتقول إنها ستتابع مع الكويت موضوع الحقل المعروف لديها باسم حقل أراش للغاز، وقالت إنها أجرت مباحثات قانونية وفنية مع الكويت، في شهر مارس الماضي، حول الحدود البحرية، وتؤكد طهران أن لها حصة في الحقل، ووصفت الاتفاق السعودي الكويتي الموقع نهاية العام الماضي أنه اتفاق "غير قانوني".
وقد اعتمدت الأطراف الثلاثة خريطة كوكس، التي أُنشئت بموجبها المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية، والمنطقة المحايدة بين العراق والسعودية، والتي كانت سببًا للنزاعات.
- دخول العراق على الخط
ويقول الباحث السعودي مبارك آل عاتي، إن دخول العراق على خط حقل الدرّة والمطالبة بحصة يثير تساؤلًا عن سبب سكوت الجانب العراقي لسنين طويلة وظهوره فجأة بعد الاعتراض الإيراني على الاتفاق السعودي الكويتي.
ويحذر الخبير السعودي من "أن المنطقة جاهزة لأن تثور في أي لحظة"، نتيجة "تجميد وترحيل القضايا وليس حلها"، ويضيف أن بلاده "تدرك أن هناك جمرا يتوقد تحت الرماد".
ويقر الدكتور جمال الحلبوسي، الخبير العراقي في ترسيم الحدود والمياه الدولية، أنه ليس للعراق وإيران ذكرٌ في الوثائق القديمة، حول ملكية "حقل الدرّة"، إلا أنهما يعتمدان في المطالبة بحصة في الحقل بناء على "اتفاقية البحار الدولية"، لعام 1982، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1994.
وتمتد سيادة الدول إلى "النطاق الجوي، الذي يعلو البحر الإقليمي، وإلى قاع البحر وما تحته من طبقات"، وبما أن أقل عرض للخليج العربي هو 120 ميلًا، فإذا تم اقتطاع 48 ميلًا، من الساحل الشرقي ومن الساحل الغربي، يتبقى 72 ميلًا، وسط مياه الخليج تشكل المنطقة الاقتصادية.
- غاز الخليج بدل غاز روسيا
ويشير الدكتور جمال الحلبوسي إلى أن ما نراه من استعجال في منطقتنا لإنتاج مزيد من الغاز هو لتلبية حاجة أوروبا، بعد توقف إمدادات الغاز الروسي، بسبب الحرب الأوكرانية.
ويشير الحلبوسي إلى أن خطط وزارة الطاقة الأمريكية، أن يمر غاز الخليج عبر العراق إلى أوروبا، وليس عبر البحر الأحمر.
وفي ضوء بوادر أزمة جديدة بين دول الخليج العربي وإيران، دعا المفكر السياسي الكويتي، الدكتور عبدالله النفيسي، دول مجلس التعاون الخليجي إلى "الاستقواء" بتركيا أمام إيران فيما يتعلق بالخلاف حول حقل الدرّة. وقال إن الخيار الاستراتيجي المتاح هو إدخال تركيا كمستثمر في هذا الحقل المتنازع عليه، (حتى لا تستفرد بنا إيران).
فهل يأتي ذلك اليوم الذي تتوقف فيه التدخلات الخارجية، وتنتقل السيطرة على خيرات البلاد إلى أهلها؟ عسى أن يكون ذلك قريبًا.
* كاتب أردني - القدس العربي