> الرباط «الأيام» الجزيرة:
على ربوة قريبة من مدخل قرية "تنصغارت" الجبلية قرب إمليل (منطقة سياحية معروفة) بمنطقة أسني في مراكش، يمدد الطفل حسين رجله المصابة إصابة خطيرة، ويتكئ على وسادة صغيرة تحت خيمة تقليدية، حيث يضع يدا وراء رأسه وأخرى على صدره.
حين يظهر أحدهم أمام خيمته، يحاول الاعتدال جاهدا لكن دون جدوى، وابتسامة مبهمة لا تفارق محياه، حيث لم يستوعب ما حدث رغم مرور أسبوع على الزلزال المدمر.
وما أن يبدأ حديثًا وديًا حتى يقطعه ويدخل في صمت طويل، علامة على ضرر نفسي لحق به جراء فقده لوالديه و3 من إخوته، يقول مترددًا بكلام متقطع وهو شارد الذهن "أنا بخير، وأنتم؟".
- البحث عن مأوى
"جاء أبوه علي (45 سنة) إلى الدوار قبل 9 سنوات، يجر الخيبات وراءه، يبحث وهو على ظهر دابته عن مكان يأويه"، كل ذلك يحكيه للجزيرة نت المواطن حسن أجداع الذي آواه بمنزله لوجه الله، معتبرًا بقصة المهاجرين والأنصار.
ويقول أجداع "لك أن تتخيل وجود أسرة بينها أطفال تحت الأنقاض لمدة تفوق 10 ساعات، ثانية واحدة من الرعب قد تفقد المرء عقله".
- صدمة وانطوائية
وفي المستشفى وسط قرية أسني الجبلية التي تبعد عدة كيلومترات، نصب خيام مستشفى ميداني، يقدم فيه الدعم النفسي لكل المتضررين من الزلزال.
ولكن حسين لا يريد الذهاب إلى أي مكان، فمجرد الحديث عن سفر يدخله في نوبة بكاء، كما يصف ذلك في حديث للجزيرة نت عمه لحسن أجارور الذي يبدو نفسه تائها مصدوما.
وعن انطوائه، يقول الطبيب النفسي أحمد الكرعاني إن ما يعيشه المتضررون من الزلزال من صدمات، قد يكون نتيجة استقبالهم لمعلومات كبيرة ومخيفة في وقت وجيز، في ظروف اختلط فيها صوت الصراخ بدوي سقوط الجدران، إذ لا يستطع عقلهم استيعاب كل ذلك بطريقة طبيعية.
ويضيف الكرعاني للجزيرة نت "تزيد حدة الانطواء عند من فقدوا عزيزًا لهم لا يمكن تعويضه" موصيًا بالتعامل بحذر مع مثل هذه الحالات، والقيام بتمارين بسيطة وعلمية، تهدف إلى إرجاع المصدومين إلى الواقع، سواء بالتعداد التصاعدي (من 1 إلى 20) أو التناقصي (من 30 إلى 10) أو عد الأشياء المحيطة التي لها شكل أو لون معين.
- جمال ودمار
من يرفع عينيه عاليًا تبهره روعة منظر الجبال المجاورة، لكن آثار الدمار بادية على القرية، خيام هنا ومنكوبون هناك، ونساء يجهزن الطعام خارج خيمة ويقدمن الشاي لكل قادم وزائر.
وفي الطريق إلى منزل أسرة حسين الذي تحول إلى خراب، تجمع السكان حول المسجد، بينما يقوم إمامه بالمناداة عليهم فردًا فردًا لتلقي حقهم من المساعدات من أغطية وأفرشة ومؤن غذائية.
ويقول إبراهيم أبو يحيى ناشط مدني للجزيرة نت "هنا الناس لبعضها، إيواء الزائرين وإطعام المحتاجين خلُق شائع بينهم".