> «الأيام» القدس العربي:

رغم التصريحات القتالية التي تصدر عن قيادة الدولة من رئيس الوزراء ووزير الدفاع وحتى الجيش الإسرائيلي، من الأفضل خفض التوقعات: لا يتحدثون في الغرف المغلقة عن أربعة أيام، بل عن عشرة على الأقل، إلى حين استنفاد كل الدفعة الأولى لتحرير المخطوفين والمخطوفات. ثمة من هم مقتنعون بأن إسرائيل ستتسلم أكثر من 50، لكننا نحن نواجه نتائج ضعف بخصوص تقديرات دقيقة منذ نحو 50 يوماً على الأقل.

نتنياهو وغالنت وغانتس يحاولون إقناع الجمهور باستمرار الحرب حتى بعد وقف النار، لكن في الصيغة الحالية، ليس مؤكداً بأن هذا ما سيحصل.

ثانياً، والأهم، هو ما يخطط له في واقع الأمر في لاحق القتال، في حالة استؤنف. فقد تعهد نتنياهو وغالنت أمام أعضاء الحكومة بالتحرك للهجوم، لاستكمال احتلال شمال القطاع والقسم الشرقي (حي الزيتون وجباليا) كما ستكون خطوة في خان يونس حيث مركز ثقل حماس. “صورة النصر يجب أن تتضمن تفكيك حماس”، قال غالنت، “أنا ملتزم بذلك، وكذا جهاز الأمن. أقول هنا: أنا وجيش الدفاع الإسرائيلي ملتزمان بمواصلة الحرب حتى تصفية حماس”. غير أن قيادة الدولة أيضاً ليست كلها مقتنعة بحصول هذا. لكن لعله من الأفضل تنسيق التوقعات مع الجمهور في ضوء الهدف الطموح، وربما الطموح أكثر مما ينبغي. ضابط مشارك في إدارة المعركة في الجنوب، قال إنه يثق بل ويعول على الوزيرين سموتريتش وبن غفير في هذه الحالة ألا يسمحا للحكومة بإذابة هذه العملية لدرجة التهديد بإسقاطها.

بالعموم، نوصي بالتمييز بين الرسائل الصادرة عن قيادة الجيش الإسرائيلي وعلى رأسها جهاز الأركان وكذا من رجال المنظومة المسؤولة عن القصور الرهيب، وبين المستوى المقاتل في غزة. فالفجوات التي بينهم واضحة في الطابع والمفهوم: المستوى المقاتل ليس أسيراً لمفاهيم جامدة، ويريد الانتصار. لن تسمعوا هناك تأييدًا صريحاً لوقف النار، وهذا على أقل تقدير. فهؤلاء الضباط الرائعون الذين يقاتلون منذ ثمانية أسابيع ويصلون إلى إنجازات رغم كل أنواع التحذيرات التي طارت في الهواء، مقتنعون بأنه من الخطأ وقفهم في ذروة الخطوة الهجومية قبل لحظة من استكمال احتلال الجزء الشمالي من القطاع. هم بالتأكيد يفهمون الاضطرار، وهذا ما يبثونه لمرؤوسيهم: صحيح أنه كان من الأفضل استكمال المهمة في شمال القطاع ومن ثم التوقف، لكن لا تقلقوا، لن يحدث تمرد هنا. وحتى لو دار الحديث عن عينة إحصائية دقيقة، فإن هذه الرسائل تأتي من عمق الميدان وليس من ضابط واحد.

لكن ما لا يمكن إلغاؤه هو الخوف من هبوط توتر عملياتي. ضابط كبير يقول إنه لن يسمح بإجازات إلى البيت لأن احتمال عودة الجميع إلى مواقعهم سيكون متدنياً أكثر. وعلى حد قوله، أي توقف طويل سيجد تعبيره في الجنود الذين سيخرجون من غزة ويفضلون ألا يعودوا. بعضهم سيعود ليحصل على صورة وضع معقدة.

في زيارة لجرحى داخل قسم التأهيل في “تل هشومير”، سألت اثنين من المقاتلين جاءا لزيارة أخ في السلاح: متى ستعودان؟ أجابا بأن هذا بات أكثر مما ينبغي بالنسبة لهما، بل وبلغا قائد السرية بذلك. لا يوجد هنا لا سمح الله أي نية للحكم على من سبق أن توجه إلى القتال في سبيل الوطن وكان مستعداً للتضحية بحياته. وليس هذا سوى وصف للواقع المعقد بعد وقف النار الذي يسوق للجمهور وكأن الجيش الإسرائيلي آلة فاخرة توقفت للانتعاش، ثم فجأة باتت قادرة على النهوض من الصفر إلى المئة. عملياً، أن يمنع الضابط إجازة عن جنوده، أمر لا يحل المشكلة: على المقاتلين أن يحرصوا حرصاً شديداً من مخربي حماس ممن يمكنهم إطلاق النار وإعداد كمائن وغيرها. وعندها ستدعي قيادة المنظمة بأنها لم تعرف: في المنطقة التي يسيطر فيها الجيش الإسرائيلي غير قليل من المخربين ممن ليسوا على اتصال دائم مع القيادات، وهم الآن على الأقل في مجال النفي بأنهم لا يعرفون عن وقف النار على الإطلاق. ومن هنا يمكن أن يأتي الشر.

بالمقابل، فإن محافل مختلفة تعرف قيادة الجيش الإسرائيلي والمسؤولية عن القصور جيداً، تلك التي منعت التفكر النقي إزاء صفقة تدعي بأن أثر الذنب معاكس أيضاً: لأن المسؤولين يعرفون بأنهم سيرحلون بعد نهاية الحرب، فإنهم يريدون أكثر من غيرهم إنهاء خدمتهم بانتصار ساحق على حماس. وعليه، فهم من سيتحفزون أمام المستوى السياسي إذا ما سعى للتوقف لاعتبارات مختلفة. في هذا الجانب، سيزداد الضغط على نتنياهو في الأيام القريبة القادمة؛ لأن حماس تخطط لإدخال وسائل الإعلام الدولية إلى غزة لتلتقي هناك الدمار الهائل في القطاع. ستلعب دور النجم صور قاسية للغاية على شاشات التلفزيون في البيت الأبيض، صور ستدفع قاعدة الرئيس بايدن لرفع مكالمة قصيرة لنتنياهو ويبلغه بانتهاء الاحتفال.

في هذه الأثناء، تستعد الدولة لاستقبال المخطوفات والمخطوفين بالعناق والدموع. ما من شك في أن الصفقة ستقر وبالتأكيد في ضوء تأييد مطلق لقادة المستوى المهني، بما في ذلك “الشاباك” والموساد. ومع ذلك، في أعقاب المقال الذي نشر هنا أمس وأعرب فيه عن اعتراض قاطع للصفقة، تلقيت بلاغاً من موشيه مورينو، والد العريف أول احتياط ايتي مورينو، مقاتل “مجلان” الذي سقط في المعركة على “زيكيم”. كما أن موشيه هو شقيق بطل إسرائيل المقدم إسرائيل مورينو الراحل. “قلبي يحترق”، كتب موشيه (وهذا ما أنقله هنا بإذن منه)، “لن أصمد إذا ما عرفت أن ابني سقط عبثاً، وبعد بضعة أيام سنكتشف أنهم خدعونا مرة أخرى كي يعيدوا تنظيم صفوفهم والتسلح وصياغة جنود آخرين. كم يمكن للمرء أن يحمل هذا العبء على كتفه، وفي النهاية من أجل ماذا؟”. في مثل هذا اليوم الذي يختلط فيه الفرح بالألم يجدر بنا أن نسمع هذا الصوت أيضاً.

يوسي يهوشع

 يديعوت أحرونوت