> «الأيام» القدس العربي:

علقوا لافتة كبيرة تضم صور كبار رجالات حماس، أولئك الذين يعيشون في غزة والذين استوطنوا دول لجوء. هناك بين 50 و100 صورة جواز سفر، بعضها من صنع مصور السجن في إسرائيل. مرتبون في مجموعات وفقاً لانتمائهم وألقابهم كأنها دفعة مدرسية. تتصدر صورة محمد ضيف ثم يحيى السنوار وخالد مشعل وإسماعيل هنية. عندما يأتي نبأ مؤكد عن تصفية أحد المصورين، يضع جندي في المكتب إشارة “إكس” بقلم أحمر… “قائمة الإكسات”.

اللافتة معلقة أيضاً في غرف أخرى للقيادة. معظم الأشخاص الذين في الصور لا يزالون على قيد الحياة، ولا سيما الكبار. وإذا كان هذا الوصف يذكر بقراءة منشور في مكتب شريف في الغرب القديم، فليست هذه هي النية. تدور في غزة رحى حرب وليس رحلة صيد. تصفية مرشحين “إكس” شرط مرغوب فيه، لكنه ليس كافياً.

حتى الإثنين من هذا الأسبوع، أنزل الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة نحو 27 ألف قنبلة بعضها غالية جداً. وتيرة القصف تلزم الأمريكيين بإطلاق قطار جوي إلى البلاد. ليس لدي السبيل لأقارن هذا المعطى بحروب أخرى، لكن الرقم وحده يجسد شيئاً ما من مدى النار. فالحديث يدور عن شمال غزة وليس عن أرجاء أوكرانيا.

في المرحلة الثانية من العملية البرية كان يفترض بقوات الجيش الإسرائيلي أن تجتاح جيب حماس الضيق في وسط القطاع وجنوبه. وهذا لم يحصل. أحد العوامل المعيقة كان الأنباء عن صفقة المخطوفين. فلا معنى لبدء خطوة هجومية في الجنوب ووقف للنار يقطعه في منتصفه.

تركزت القوات على تطويق وتطهير مناطق في أحياء شمال القطاع: جباليا، والشجاعية، والزيتون، وفي مربع مستشفى الشفاء. وأعمال تطهير أخيرة جرت في بيت لاهيا وبيت حانون. أكثر من فرقتين تعمل في المنطقة الواحدة إلى جانب الأخرى؛ اكتظاظ؛ صعب على التعرف؛ والتخوف من نار قواتنا على قواتنا كبير. العمل بطيء. أنفاق فجرت من الجو أو الأرض.

المقاتلون غطسوا في مياه المجاري التي صعدت إلى الأعلى، مع المطر. وهذا واضح في طبقة الطين التي غطت أحذية القادة الحمراء. تركز اهتمامهم في الطابق ناقص 2 للمستشفى الذي كان قيادة ونقطة اختباء لكبار المسؤولين. بعد السيطرة، جمع الجيش الإسرائيلي المرضى في مبنيين: المبنى القطري والطوارئ. على حد قول الأمم المتحدة، بقي في المستشفى 259 نزيلاً في وضع صعب؛ أما الباقون فقد أخلوا. عتاد طبي استكمالي جيء به من مستشفى “شيبا”. من “شيبا” إلى الشفاء، قال الجيش. يخيل لي أن المرضى كانوا يفضلون مساراً معاكساً.

 السيطرة على المستشفى أوقفت مفاوضات تحرير المخطوفين لبضعة أيام. فهل كان الثمن مجدياً؟ القادة في الميدان مقتنعون أن “نعم”.

وصلت الحرب هذا الأسبوع إلى ذروتها: محمولة على إجماع وطني، ومحررة من قيود فرضت على الجيش، ووفيرة بالذخيرة وبالقوى البشرية، ومتصدية لعدو فقد السيطرة على الأرض. وعندما يبدأ وقف النار، ستطل الأسئلة: إلى أين يسير هذا؟ حتى متى؟ ما الذي نفعله هنا؟ كلمة “مراوحة”، رعب القيادة السياسية، رعب الجيش، ستعود إلى الخطاب.

الأربعاء مساء، أعدت قنوات التلفزيون الإسرائيليين إلى احتفال العودة. بعد 15 ساعة، بعد 14 ساعة، بعد 13 ساعة. مأساة وطنية كلعبة تلفزيونية. مصدر سياسي كبير من ديوان رئيس الوزراء قال إن حماس تثير المصاعب. على الرغم من ذلك، قال إن كل شيء تحت السيطرة، قائمة الأسماء أعطيت، والصفقة انطلقت. وقف وزراء الحرب أمام الكاميرات للترحيب بالإنجاز. كانوا حادّي النظر منا، انتبهوا إلى أن نتنياهو وغانتس غيرا قميصيهما السوداوين: الأول عاد إلى الجاكيت، والآخر عاد إلى الأزرق. أما غالانت فاستمر بالأسود، بادرة مخصصة لإطلاق رسالة أننا لم نحتفل بعد، فأنا في الحرب. نتنياهو تباهى بالإنجاز: ضغطنا على حماس وانثنت. حماس مردوعة – مرة أخرى مردوعة.

لكن حماس على حالها، سياسيون يرفعون لها الكرة لضربها. في موعد قريب من منتصف الليل، بعث نتنياهو هنغبي للإعلان عن تأجيل الصفقة حتى الجمعة.

الجرح والإشفاء

سنستقبلهم بصمت، بطأطأة رأس. بسكوت. الأسابيع السبعة التي مرت عليهم في الأسر هي جرح يحتاج إلى شفاء. “جسدياً، أنا هنا”، قالت لي مخطوفة تحررت في الماضي. “نفسياً لا أزال هناك”. قسم كبير منهم فقد في 7 أكتوبر أبويه، وأخوته، وأطفاله، وبيتهم. خلفوا وراءهم مخطوفين آخرين. من الأفضل تعطيل الكاميرات، ومن الأفضل إبقاء الميكروفونات في الخلف. لن يضر أن نذكر بأن معظم المخطوفين لا يزالون في غزة. لن يضر أن نذكر أيضاً أن الحديث يدور عن بني وبنات بشر، وليس آلة دعاية للحكم.

من الأفضل إبعاد السياسيين أيضاً. لا أتوقع أن يقف وزراء وجنرالات أمام المحررين جاثمين على ركبهم طالبين المغفرة. الملك حسين عرف كيف يتصرف هكذا؛ أما عندنا، فهذا ليس مقبولاً، خصوصاً مع جيل السياسيين الحالي.

المجتمع العربي في إسرائيل يشاهد المسرحية بمشاعر مختلطة. سجناء وسجينات سيتحررون. لهم أبناء عائلة ومعارف. نتوقع ضبط النفس منهم أيضاً. كل احتفال في بلدة عربية سيضيف شرخاً آخر لمنظومة العلاقات بين اليهود والعرب. فرحة تحرير السجناء مغمسة بالدم الذي سفك.

نأمل أن يلتزم الطرفان بسلم الأولويات حتى المخطوف الأخير. لكنه لا يشوش الفهم من القاتل ومن الضحية، من الشر ومن الخير. في 7 أكتوبر وقع قصور رهيب. هذا جزء من الثمن.

ناحوم برنياع

 يديعوت أحرونوت