> "الأيام" إندبندنت عربية:
- هل تمت ترجمة بعض قوانينه بطريقة خطأ وحان موعد تصحيحها؟
- هل صحيح أنه تنبأ مبكرًا بقيام إسرائيل ومهد الطريق لوعد بلفور؟
هل تجاوز الوصف طبيعة وعقلية هذا العالم الفذ الذي غير حال العالم بصورة غير مسبوقة؟
الشاهد أنه منذ عهد نيوتن، انجلى من أسرار الكون ما يعادل ألف ضعف ما استجلى الإنسان منها من قبل، فقد كتب ذات مرة يقول "لا ينبغي لنا أن نقبل مزيدًا من الأشياء الطبيعية غير تلك التي تثبت صحتها والقدر الكافي من تفسير ظهورها".
هكذا عبر نيوتن عن مكنونات عقله الرافض للمسلمات التي لا تحمل تفسيرًا عقلانيًا، علميًا ومنطقيًا.
تبدو قصة نيوتن مثيرة للتأمل والتفكر، وفيها كثير من النقاط البحثية الجوهرية، التي تتجاوز قصة التفاحة على أهميتها، لا سيما أن المعروف عنه من مخترعاته القليل جدًا، مقارنة بما قدمت يداه.
هل كان نيوتن مجرد عالم فيزيائي، أم فقيه ديني مهووس بالكتاب المقدس، ومن خلاله توصل إلى أرقام يمكن أن تحسم نهاية كوكب الأرض؟
- في يوم الكريسماس كان مولده
كان والده قد توفي قبل مولده بقليل، ويحكي أنه من نسل السير جون نيوتن.
هل كانت علائم الصحة والذكاء تبدو على محياه وهو بعد طفل؟
المؤكد أن الأمر لم يمض على هذا النحو بالمرة، ففي أول سنوات عمره ظهر ضعيف البنية بصورة واضحة، ومعتل الصحة بصورة كبيرة، ويبدو أن سبب ذلك هو مولده قبل الموعد الطبيعي، وفي سنوات دراسته الأولى لم تبد منه سمات الطفل الذكي وليس العبقري.
هل بدأ نيوتن الكتكوت الفصيح في البيضة يصيح مبكراً؟
يبدو أن ذلك كذلك، فقد صنع إسحاق في طفولته وبيديه الصغيرتين، منشارًا وفأسًا ومطرقة، بل وسائر أدوات الصناعة بحجم صغير يناسبه.
استطاع الطفل الذي اعتبروه متراجعًا علميًا أن يستخدم تلك الأدوات في صناعة ساعات يديرها الماء المنحدر، فكانت بغاية الانضباط والدقة.
- من حقل والدته إلى كلية ترينتي
غير أنه كان منشغلًا حتى أذنيه في دراسة أعمال كبار الرياضيين، وبدأ اهتمامه ينصب على دراسة الرياضيات البحتة وعلوم البصريات.
كان من الطبيعي جدًا أن يخفق في مساعدة والدته في أعمال الزرع والقلع والحرث والغرس، فقد كانت أمه ترسله إلى سوق مدينة جرانتهام لكي يبيع غلة الحقل، ومعه خادم مسن، فكان يحيل أمر البيع في السوق إلى الخادم، فيما يمضي هو إلى صديقه الصيدلاني كلارك، ليطالع عنده أحدث الكتب التي تتكلم عن العلوم الطبيعية والكيمياء.
على أنه من حسن طالعه أن كان في العائلة قريب، غالبًا خاله وليام إيسكوف، أحد قساوسة مدينة بورتون، والعضو في كلية ترينتي (الثالوث)، لكي يساعده على الدخول إلى جامعة كمبريدج، إحدى أهم جامعات أوروبا والعالم في ذلك الوقت.
كان ذلك عام 1660، وطوال عام كامل أي حتى 1661، لم يكن لإسحق شغل شاغل سوى البحث والنهل من الكتب في كل مجالات الحياة، لا سيما علوم الرياضيات، مما أفاده في الانضمام سريعاً إلى كمبريدج، التي أنهى فيها دراسته عام 1965، ليتخرج بدرجة البكالوريوس في العلوم، ومن فرط ذكائه وتقدمه العلمي تم تعيينه معلمًا في الكلية نفسها بعد عامين فقط من تخرجه، أي عام 1976 وهو أمر لم يحدث من قبل.

نيوتن مع أداة ضوئية اخترعها (غيتي)
كان نيوتن يصوغ النظريات سرًا، ولم يعلن عنها إلا بعد أن اكتملت تماماً، وبعد أن يجربها ويثبتها ويتأكد أنها صحيحة وأولى نظرياته هي الخاصة بالضوء.|
- يرفض أن يكون رجل دين
ربما كان ذلك كذلك، لو يد علوية وضعت هذا الشاب الباحث في طريق استنارة العالم... ما القصة وكيف سارت الأحداث؟
الثابت أنه حين تم قبول نيوتن في كلية ترينتي جرى ذلك باعتباره "طالبًا عاملًا"، وهو نظام كان شائعًا في وقتها، يتضمن دفع الطالب مصاريف أقل من أقرانه على أن يقوم بأعمال مقابل ذلك.
كانت تعاليم كلية ترينتي، وهي واحدة من أقدم وأعرق جامعات إنجلترا، وقد حصد خريجوها نحو 31 جائزة نوبل، تقوم على تعاليم أرسطو، تلك التي أكملها نيوتن بتعاليم الفلاسفة المحدثين، مثل رينيه ديكارت، وعلماء الفلك من أمثال نيكولاي كوبرنيكوس وجاليليو جاليلي ويوهانس كيبلر.
بدت إضافات إسحاق تمضي قدمًا وبسرعة هائلة، ففي عام 1665 اكتشف نيوتن نظرية ذات الحدين العامة، وبدأ في تطوير نظرية رياضية أخرى أصبحت في وقت لاحق حساب التفاضل والتكامل.
وعلى رغم أن الجامعة كانت قد أغلقت أبوابها بسبب تفشي الطاعون في أوروبا في تلك الفترة، إلا أن ذلك لم يعطله، فقد استمرت دراساته في منزله في منطقة وولسثورب، ليطور نظرياته في حسابات التفاضل والتكامل والبصريات وقانون الجاذبية.
بعد عامين من الانقطاع بسبب الطاعون، وتحديدًا في عام 1667 عاد نيوتن إلى موقعه العلمي، زميلًا لكلية ترينيتي، غير أن تلك الزمالة كانت تقتضي أن يرتسم أعضاؤها رجال دين، وهو ما كان نيوتن يرجو تجنبه لعدم توافق رؤاه الدينية مع كثير من المعطيات التي كانت سائدة في ذلك الحين.
لحسن حظ نيوتن لم يكن هناك موعد محدد لأداء ذلك الاختبار، وكان يمكن تأجيله إلى أجل غير مسمى.
هل كان نيوتن مهرطقًا، رافضًا للإيمان المسيحي كما كان سائدًا ومعروفًا في زمانه، أم أنه كان ذا نظرة صوفيه خاصة، جعلته يرتقي ويتسامى فوق كثير من المألوف والمعروف والموصوف، تاريخيًا ولاهوتيًا؟

حينما سقطت التفاحة على رأس نيوتن وغيرت سيرة العلوم في العالم (غيتي)
- الجاذبية بين تفاحة نيوتن وجرة دافنشي
لعل الغوص عميقًا في أسرار حياة نيوتن، يكشف لنا عن مقدرة إبداعية غير اعتيادية، فقد استطاع أن يحول الليمون اللاذع إلى شراب حلو المذاق.
وصف نيوتن تلك الفترة بقوله "كانت بداية عمري في الاختراع".
خلال تلك الفترة جرت الواقعة التي ستغير مجريات العلوم الفيزيائية على مدى الأزمنة اللاحقة، خلال فترة راحة له في حديقة منزله، إذ سقطت تفاحة عليه، ما دعاه إلى التساؤل عن سبب سقوطها بشكل مستقيم، وليس بشكل جانبي أو حتى ارتفعت إلى الأعلى.
كان نيوتن على معرفة بنظرية الفلكي الدنماركي الشهير تيخو براهي (1546-1601)، عن مسارعة الأجسام الساقطة، فتراءى له أن التفاحة سقطت متسارعة، تراءى له تسارعها على رغم أن سقوطها لم يتجاوز ثانيتين، وهي مدة لا تكفي لملاحظة المسارعة فاستطرد يقول لنفسه "وما الذي جعلها تسقط متسارعة؟ وما القوة التي تهبط الأجسام من أعلى إلى أسفل، من الشجرة ومن الجو ومن رأس الجبل ومن البرج... إلخ. ألا يمكن أن تكون هذه القوة هي القوة نفسها التي تتحكم بالقمر فتجعله يدور من حول الأرض بدلاً من أن يندفع في خط مستقيم وفقاً لما كان معلومًا بالبديهة؟ ألا يمكن أن تكون هذه القوة في الأرض نفسها، قوة تجذب ما حول مركزها إليه؟ ألا يمكن أن تكون القوة نفسها التي تمنع الكواكب السيارة من أن تدور حول الشمس؟".
رأي نيوتن أن كوكب الأرض يجذب كوكب القمر بالقوة نفسها التي أثرت في التفاحة، وهي القوة التي اختلفت في النسبة العكسية لمربع المسافة التي تفصل الأرض عن القمر. لكن نيوتن لم ينشر شيئًا حول اكتشافه، وسينتظر حتى عام 1687 ليقوم بذلك، ومن هنا كان مولد نظرية الجاذبية الأرضية.
على أن تطورًا استجد على هذه الفكرة التي ملكت عقول كثر حول اكتشاف نيوتن قوانين الجاذبية، ففي فبراير الماضي قال علماء من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، أحد أهم المراكز البحثية العلمية في أميركا والعالم، إن ما يسمى "جرة دافنشي"، سبقت تفاحة نيوتن بعقود، وذلك بناءً على مخطوطة أروندل، وهي مجموعة من الأوراق كتبها دافنشي يعود تاريخها في الغالب ما بين 1480 و1518 ميلادية، والتي كتبت ورسمت بخط يده.
ينص قانون نيوتن للجاذبية على أن أي جسم من المادة في الكون يجذب أي جسم آخر بقوة تتغير بصورة مباشرة كناتج للكتل وعكس كمربع المسافة بينهما.
طرح إسحاق نيوتن قانون الجاذبية في عام 1687، واستخدمه لشرح الحركات المرصودة للكواكب وأقمارها، التي اختصرها يوهانس كيبلر إلى الشكل الرياضي في أوائل القرن الـ17.
- دانييل هوك وخطأ في قوانين نيوتن
ينص القانون على ما يلي "يظل الجسم على حالته الحركية، إما السكون التام أو الحركة في خط مستقيم بسرعة ثابتة، ما لم تؤثر فيه قوة تغير هذه الحالة".
هل نحن أمام قراءة لعالم متهور، أم محاولة لإعادة العلم إلى مبادئه الأساسية؟
يرى البروفيسور هوك أن الفحص الدقيق لكتابات نيوتن الخاصة يوضح ما كان يفكر فيه عالم الرياضيات الرائد في ذلك الوقت.
ويستفيض هوك بقوله "إذا أخذنا الترجمة السائدة، وهي أن الأجسام تتحرك في خطوط مستقيمة حتى تجبرها قوة على خلاف ذلك، فإن ذلك يثير تساؤلًا: لماذا يكتب نيوتن قانوناً حول الأجسام الخالية من القوى الخارجية، عندما لا يوجد شيء من هذا القبيل في كوننا، عندما تكون الجاذبية والاحتكاك موجودة دائمًا؟".
هل نحن أمام تغيير كبير مرتقب في العلوم الفيزيائية إن صحت نظرية البروفيسور هوك؟
- هل كان نيوتن عالمًا أم ساحرًا؟
ربما مرجع الأمر إلى أن نيوتن كان عالم رياضيات وفلكيًا وفيزيائيًا وخيميائيًا وفيلسوفًا، مما جعل هذه الشمولية تخضع لأضواء كاشفة، لا سيما أن مثل هذه العلوم جميعًا لا تتوافر إلا لدى من كان يطلق عليهم "المعلم الأعظم" من جماعة الماسونيين.
هل كان وراء هذا الاتهام طائفة من العوام والدهماء والرعاع؟
المفاجأة أن قائل هذه العبارات وما هو أشد وأقسى منها، هو جون مينارد كينز (1883-1946)، المفكر الاقتصادي الإنجليزي الشهير، الذي اعتبر ذات مرة أن "نيوتن لم يكن أول العلماء، بل كان آخر السحرة الكبار أو العظام".
وحتى نفهم لماذا قال كينز هذا عن نيوتن، يجب أن نعرف أن الأبحاث السرية التي شغلت نيوتن كانت الخيمياء المحرمة، أو "الكريسبويا"، فبعد وفاة نيوتن باع ابن أخته مخطوطاته، واكتشف كينز الذي اشتراها أنه كان يحلل الحرام في سبيل حصوله على غايته، وأنه عاش مهووسًا بالسحر والشعوذة وأن كثيرًا من تلك المخطوطات لم تكن تمت إلى العلوم بصلة.
اعتبر كثر أن إسحاق نيوتن هو الساحر الأخير الذي تخبأ في رداء العلم، مما جعل البعض يعيد قراءة أوراقه، واعتباره امتدادًا للسحرة البابليين والسومريين، لا سيما أنه عاش حياته محبوسًا في تجارب الخيمياء ومزج الفيزياء بالكيمياء، مع علم الأرقام أو "القابالاه"، في طقوس سحرية وممارسات محرمة ليحصل على حجر الفلاسفة.
- نيوتن الصوفي المهووس بالدين
الحديث عن علاقة نيوتن بالمقدرات الدينية يحتاج إلى قراءة مخصصة قائمة بذاتها، لا سيما أنها تحمل قصصًا مثيرة بعضها موصول بعالم السياسة، كما الحال في توقعاته لقيام دولة إسرائيل، وتحديده موعدًا لنهاية محتومة لكوكب الأرض.
لم يكن نيوتن متكالبًا على الحياة وملذاتها، فلم يتزوج مطلقاً، وعاش حياته بعيدًا من المجتمع، ومن الواضح أن طفولته البائسة جعلت منه إنسانًا انطوائيًا غريبًا غير محبوب، وإن لم يؤثر الأمر على عبقريته التي شهد له بها مئات العلماء بغض النظر عن كلام كينز.
في الأسبوع الثاني من شهر فبراير من عام 2016 قدمت اليونيسكو نحو 7500 مخطوطة من كتابات نيوتن اللاهوتية لمشروع "ذكرى العالم المرموق" إلى المكتبة القومية في إسرائيل.
وقتها صرحت الدكتورة ميلكا ليفي روبن المسؤولة عن المجموعة الإنسانية في المكتبة لقناة "أخبار 24" أن "نيوتن حافظ على هذه المخطوطات كسر، لأنه كان مسيحيًا مؤمنًا، وكان يخشى من أنه في حال رأى الناس هذه المخطوطات لاعتبروه مهرطقًا".
في إحدى المخطوطات المكتوبة بخط اليد يحاول نيوتن قياس مساحة الهيكل اليهودي التوراتي من طريق استخدام نصوص توراتية مثل سفر دانيال، كما تظهر مخطوطات أخرى أنه كان صوفيًا أو في الأقل معجبًا بالصوفية.
وفي مخطوطة أخرى يستخدم نصوصًا من العهد القديم ليحسب أن نهاية العالم لن تحدث قبل عام 2060، غير أن هذا ليس توقعًا مقلقًا كما يبدو، لأن الخبراء يقولون إن نيوتن رأى بهذا التاريخ بداية عهد جديد وليس دمار العالم.
كان هدف نيوتن الأول من خلال الكتاب المقدس هو فهم أسرار التاريخ، وكان يميل إلى الاعتقاد أنه في حال درس هذه الكتابات بصورة عميقة، وبما فيه الكفاية سيتوصل لاستنتاجات حول التاريخ ونهاية التاريخ.
توقع آخر مثير للاهتمام في كتابات نيوتن ومخطوطاته يتعلق بعودة اليهود من شتات العالم، بعد نحو 2000 سنة، وحدد ذلك الموعد بعد موته بـ200 عام، وبهذا يعد من أوائل الأصوات اليمينية الإنجيلية في إنجلترا التي مهدت الطريق إلى وعد بلفور.