> «الأيام» القدس العربي:
مثلما هي الحال في المخطط الهرمي الذي يقترب من النهاية الحزينة، فإن وعود
الاستراتيجية التي نثرها نتنياهو في العقد والنصف الأخيرين انهارت وأحدثت
ضجة كبيرة. في 7 تشرين الأول من السنة الماضية، تم الكشف أخيراً عن رئيس
الوزراء على اعتبار أنه نوع من بيرني مايدوف الإسرائيلي، الذي أشرف لسنوات
كثيرة على عملية تحايل مالي ضخم. لم يبق الكثير الآن من إنجازاته الكبيرة
التي تفاخر بها نتنياهو وأتباعه.
عاموس هرئيل
هآرتس
الإسرائيليون الآن لم يعودوا يتمتعون بالعقد الأمني الأكثر هدوءاً، الذي أراد نتنياهو أن ينسبه لنفسه فقط قبل ثلاث سنوات. بالعكس، عدد القتلى في البلاد في العام 2023 كان الأعلى منذ خمسين سنة، منذ حرب يوم الغفران. والشعور بالأمان اهتز تماماً سواء في البيت وعلى الحدود، والردع أمام حماس وحزب الله والأعداء المحتملين الآخرين، بات ضعيفاً. تقف إسرائيل اليوم أمام معركة متعددة الساحات، حيث نتنياهو ورجاله يتجادلون حول: هل يدور الحديث عن 6 أو 7 أو 8 تهديدات مختلفة فقط؟
التفكير باحتمالية تجاوز النزاع الفلسطيني عبر اتفاقات سلام وتطبيع مع دول الخليج، تم دحضه، ومثله أيضاً الفكرة الخيالية القائلة بتمكين حماس على حساب السلطة الفلسطينية، على أمل تطبيق سياسة “فرق تسد” في “المناطق” [الضفة الغربية] لمنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. الركيزة الأمريكية لإسرائيل ثبت أنها قوية، لكن ليس بفضل نتنياهو، بل رغم أنفه. الإدارة الأمريكية الحالية تعبر في كل مناسبة عن اشمئزازها من رئيس الحكومة، في حين أن توقع أي جدوى بديلة من العلاقات مع دول عظمى أخرى مثل روسيا والصين، بفضل العلاقات الشخصية التي نسجها نتنياهو (الذي هو من نوع آخر) مع زعماء هذه الدول، هي الأخرى تحطمت منذ هجوم حماس على بلدات الغلاف.
على إسرائيل السير الآن في واقع استراتيجي جديد غير متعاطف، في الوقت الذي تحاول فيه تقليص التفوق الكبير الذي سجلته حماس في اليوم الأول للحرب نفسها، عندما قام رجالها بذبح وتعذيب واغتصاب وأسر 1400 مواطن وجندي تقريباً. الضرر والقتل الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بالهجوم المضاد في القطاع هي أكبر بدرجة واضحة من كل ما فعلته حماس: معظم البيوت في شمال القطاع تم تدميرها أو أصبحت غير قابلة للسكن؛ والجيش الإسرائيلي يقدر بأن قتلى حماس أكثر من تسعة آلاف. وزارة الصحة الفلسطينية التي تتحكم بها حكومة حماس تحدثت عن أكثر من 24 ألف قتيل و7 آلاف مفقود. هذا تقدير معقول حتى لدى الجيش الإسرائيلي، لكن حماس لا تقول عن عدد المخربين بينهم. في هذه الأثناء، حتى في القناة 14 بدأوا يشككون بهذا الأسلوب الذي لا يؤدي إلى انتصار سريع، حتى لو استمر الجيش الإسرائيلي في الهجوم فإنه سيحتاج إلى كثير من الوقت لهزيمة حماس.
حماس تلعب “الروليت الروسية” بحياة المخطوفين خلال الحرب. 136 مدنياً وجندياً بقوا في القطاع، وأعلن الجيش الإسرائيلي عن موت 25 منهم، رغم أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى. ظروف الأسر كما شهد على ذلك المخطوفون الذين عادوا قبل شهرين تقريباً، ظروف غير محتملة وتقرب موت مخطوفين آخرين.
كلما أصبح الواقع في القطاع فوق الأرض وتحتها أكثر قتلاً وخطراً، يظهر سلوك رئيس الحكومة والوزراء أكثر عزلة عما يحدث حوله. يبدو أن وزير التربية والتعليم، يوآف كيش، عبر في هذا الأسبوع عن وضع الحكومة كلها عندما شوهد في مقابلة تلفزيونية وهو يرقص مع أبناء الشبيبة في ساحة العملية في “رعنانا” التي قتلت فيها مواطنة مسنة وأصيب 17 مواطناً آخرين.
شبكة “ان.بي.سي” نشرت أمس أن الإدارة الأمريكية تفكر بـ “اليوم التالي لنتنياهو” في الشرق الأوسط، الذي سيشمل خطة إعادة إعمار القطاع بتمويل السعودية وتسوية سياسية إقليمية وإمكانية إقامة الدولة الفلسطينية، مع إعطاء دور لـ “سلطة فلسطينية محدثة” في إدارة القطاع (رئيس الحكومة يحارب الآن بشكل ضد البندين الأخيرين).
عملياً، يبدو أن اهتمام الولايات المتحدة في ما يحدث هنا الآن انخفض قليلاً. وحصلت الإدارة الأمريكية من نتنياهو على أمرين كانت تريدهما، وهما: تقليص ما في الهجمات الجوية التي تؤدي إلى قتل جماعي للغزيين المدنيين، وتقليص القوات في القطاع. ليس هذا بالضبط هو الإطار المحدد للقتال الذي أمله الأمريكيون، لكنه أقل سوءاً مما حدث هناك من قبل. بدأ الرئيس الأمريكي يركز الاهتمام على حملة انتخابية للرئاسة، حيث أصبح دونالد ترامب الآن تهديداً جدياً مرة أخرى على ولايته القادمة.
رغم أن الواقع في الضفة الغربية مقلق جداً للمستوى العسكري، فإن نتنياهو مقيد من قبل وزراء اليمين المتطرف، وهو تحت ضغطهم لا يعمل بجدية على الدفع قدماً بصفقة تبادل، ويرفض دمج السلطة الفلسطينية في أي حل مستقبلي في القطاع، بل ويصمم على استمرار حظر دخول العمال الفلسطينيين من الضفة إلى داخل حدود إسرائيل، ويصمم على استمرار تجميد أموال الضرائب. أمس، نشر في أخبار 12 أن الكابنيت سيناقش تحرير الأموال التي جمدت بضغط من أمريكا.
سياسة الرفض تزيد الوضع الاقتصادي في السلطة الفلسطينية حدة، وتزيد احتمالية الاشتعال. يبدو أنه أفكار نتنياهو للتوصل إلى مخرج من الوضع الذي حدث في “المناطق”، قد نفدت. وبات رئيس الحكومة يقضي وقته في نثر الوعود العبثية الشعبوية. عندما يجد نتنياهو نفسه في الزاوية، فهو مضطر لنثر تصريحات مشكوك في مصداقيتها، مثلما في قضية تزويد الأدوية للقطاع، أول أمس.
لكن عندما يدور الحديث عن بقائه، يبدو نتنياهو أكثر حدة. أتباعه في الليكود وممثلوه في وسائل الإعلام ينشغلون في تشهير مستمر برئيس الأركان هرتسي هليفي، وفي الإشارة إلى كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي وفي “الشاباك” كمسؤولين حصريين عن الفشل الذي أدى إلى المذبحة ثم الحرب. عملية مراقب الدولة، متنياهو انغلمان، التي بدأت بفحص سريع لأحداث الحرب، تحقق نتائج فورية. الضباط الكبار، كل منهم يغرق في بناء خط دفاعه، في الوقت الذي يشير فيه المراقب إلى نيته التوصل إلى نتائج في تموز القادم.
يمكن الرهان على تسريبات متزامنة جيداً من عمل المراقب طوال الأشهر القريبة القادمة. ووفقاً لجهات رفيعة في الليكود، بدا نتنياهو على قناعة بأنه ستتم تبرئته أمام الرأي العام بكونه مسؤولاً عن الكارثة بفضل ليلة 7 تشرين الأول، عندما قام كبار قادة الجيش و”الشاباك” بعقد جلسة مشاورات في أعقاب بعض المعلومات عن نشاطات استثنائية لحماس في القطاع، دون الاهتمام بإبلاغه بذلك.
هآرتس