في مواثيق الشرف المفعول به قلما تجد بين ثنايا القول ذرة (غيرة) مما تفقهون، وإن وجد بيننا ممن رحم ربي فهو إما ساكت دهنوا لسانه بالعسل فبلعها طوعًا لا كراهية، وإما متجاهل لا حول له ولا قوة أو جهولا.

كل القيم والأخلاق المشتراة في هذا البلد الكمين ليس لها سعر ولا علاقة لها سوى بمزاد الذمم وبيع الضمير لمن شاء أن يشتري و(على عينك يا فاجر) والعياذ بالله.

في زمن القوة وعزة القانون وجبروته كانت الناس تبلع العافية بمر الصبر على البلاء خوفًا من أن تدخل جوفه لقمة حرام مستعينين بما قدر لهم من كفاف، وقتها كانت الدنيا بألف خير لا يشكو أحدنا من فاقة ولا يتألم لا هو ولا جاره من جوع إلا من أغناهم الله بالعافية وستر الحال فبطروا ليستبدلوا نعمته بسوء المنقلب وخزي العاقبة.

فتأملوا التذمر من الواقع المر مرارة العلقم لا يعفينا من تغييره بدءًا من سلوكنا اليومي قولًا وفعلًا وممارسة، ولا أعجب من أمر أناس يشكون همهم ثم يجترونه كالبهيمة مع مضغ القات سمًّا زعافًا لينتهي بهم وبهمهم الحال وآخر الليل بضغطة زر السيفون إلى مكب الصرف الصحي.

كان للعم (مبارك) حمارًا يستعين به لحمل الملح لبيعه في السوق، وفي أحد الأيام تأخر عن موعده فأضطر إلى قطع النهر، فتعثر حماره وسقط في النهر وسرعان ما ذاب الملح.

تألم مبارك وصعق للخسارة التي لحقته ذلك النهار بقدر سعادة الحمار الذي سرعان ما انتشل حمولته بكل سهولة ويسر.

أعجب الحمار بالفكرة الجهنمية ليكررها مرة أخرى لينجو بنفسه من جور حمولة الملح.

أدرك مبارك بحنكته وخبرته وخبثه حيلة الحمار فقرر أن يلقنه درسًا من دروس خبث السياسة لا ولن ينساه، وفي اليوم التالي حمّل الحمار أكياسًا من القطن، وفي النهر سقط الحمار ثم اختفى عن الأنظار غرقًا إلى غير رجعة.

العبرة يا صاحبي (لا تبيع الماء بحارة السقايين).