> "الأيام" العرب اللندنية:

​يمرّ الصياد اليمني سالم عتيق بسنة عسيرة أبعده الصراع خلالها عن مياه البحر الأحمر الغنية بالثروات. وأصبح يحاول الصيد على الشاطئ بينما يتحدى الطقس القاسي الناجم عن تغير المناخ.

وتواجهت السفن الحربية في مارس على مسافة قصيرة من قارب سالم عتيق بينما كان يصطاد في البحر الأحمر الذي أصبح الآن خطيرا بسبب هجمات جماعة الحوثي اليمنية على سفن الشحن الدولي تضامنا منها مع الفلسطينيين في حرب غزة.

وعانى الصياد اليمني بسبب هذه الحادثة من أزمة نفسية، وقرر أن يفوّت بقية موسم التونة.

لكن مشاكله لم تنته بهذا، حيث اجتاح المد العالي كوخا بالقرب من منزله في البريقة بمحافظة عدن. وكان يخزن فيه معدات الصيد، ما تسبب في تلف بعضها.

وقال “لم يسبق أن اجتاحتنا المياه بهذه الطريقة خلال هذه الفترة من العام. نعتمد حساباتنا الخاصة مثل المزارعين. لكنها لم تعد صحيحة”.

واندمجت كارثتا الصراع وتغير المناخ في اليمن وفاقمتا الأزمة الإنسانية التي جرّت أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 33 مليون نسمة إلى الفقر وتركتهم يعتمدون على المساعدات الخارجية. كما دفعتا حوالي 4.5 مليون شخص إلى ترك ديارهم.

وأضرّت الضربة المزدوجة بالصيد خاصة. ودمرت الحرب الأهلية على اليابسة القوارب والموانئ، ويحصد الصراع الجديد في البحر الأرواح ويستنزف الأموال بعد إقصاء الصيادين من المناطق التي كانوا يجنون فيها مصادر رزقهم.

وقال عتيق لمؤسسة تومسون رويترز عبر الهاتف “نحن مجبرون على طلب الديون”. وأكد أنه لم يعد باستطاعته سوى صيد الأسماك الأرخص والأصغر حجما على الساحل بينما كان يمكنه اصطياد الأسماك الأكثر كلفة مثل التونة من مناطق أبعد في البحر.

واندلعت حرب أهلية في اليمن منذ أن أطاح الحوثيون المدعومون من إيران بالحكومة في صنعاء عام 2014. وتدخّل تحالف عسكري بقيادة السعودية خلال 2015 بهدف دعم تلك الحكومة.

ويعاني صيادو ساحل اليمن الشمالي من الاضطرابات لفترة طويلة. واضطروا إلى تغيير مساراتهم البحرية بسبب الوضع الأمني غير المستقر الذي فرضته الحرب الأهلية لسنوات.

ويتأثر اليوم الصيادون في الجنوب أيضا بسبب تداعيات حرب غزة في البحر الأحمر. وأرسلت الولايات المتحدة وبريطانيا سفنا حربية إلى المنطقة ووجهتا ضربات إلى أهداف الحوثيين في اليمن.

وأصدرت وزارة الثروة السمكية التي يديرها الحوثيون بيانا في مارس الماضي. وقالت إن صيادين اثنين على الأقل قتلا في غارات شنتها الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده بريطانيا قبالة ميناء المخاء المطل على البحر الأحمر في جنوب غرب اليمن.

ولم ترد القيادة المركزية الأميركية على طلب للتعليق على الحادث.

ولا يشعر الصيادون، الذين قرروا هجر أعماق البحار والبقاء على الساحل، بالأمان. وبينما لا يواجهون خطر السفن الحربية والطائرات، يجب أن يتعاملوا مع التيارات المائية والرياح التي لا يمكن التنبؤ بها. ويعتبر هؤلاء الصيادون تغير المناخ سبب مشاكلهم.

وقال ناصر حاجي، وهو صياد مقيم في عدن، إن “الوضع صعب والصيد تراجع. نحاول أن نحتاط. ونفوض أمرنا إلى الله”.

كان اليمن منتجا رئيسيا للأسماك قبل اندلاع الحرب الأهلية، وتواجد أكثر من 350 نوعا من الأسماك والحياة البحرية الأخرى في المياه قبالة ساحله الذي يبلغ طوله 2.52 كيلومتر. وشملت هذه الأنواع التونة والسردين والإسقمري وجراد البحر.

وأكّد المجلس النرويجي للاجئين أن قطاع الصيد البحري كان يوظف أكثر من 500 ألف شخص قبل الحرب، وأن الأسماك كانت ثاني أكبر صادرات اليمن بعد النفط والغاز الطبيعي.

لكن الحرب قوّضت مختلف قطاعات البلاد. ومن المتوقع أن يواجه ما يصل إلى 60 في المئة من سكانها انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال 2024؛ بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، والصراع، والطقس القاسي الذي يشمل الجفاف الشديد.

ويبقى اليمن بطبعه من بين أكثر دول العالم عرضة لتغير المناخ، ومن أقلها استعدادا للتخفيف من آثاره أو التكيف معها.

وقالت جمعية رعاية الأسرة اليمنية غير الحكومية في تقرير صدر العام الماضي إنه من المتوقع أن يرتفع منسوب مياه البحر على طول الساحل بمقدار 0.3 – 0.54 متر بحلول 2100.

وأكدت زيادة تعرض اليمن للأعاصير، حيث شهدت البلاد 6 عواصف استوائية كبرى منذ 2015. وشُرّد الآلاف من الأشخاص ودُمّرت قوارب الصيد ومعداته خلال هذه الكوارث.

ومسّ إعصار تيج الذي ضرب خلال أكتوبر الماضي 18 ألف أسرة في جنوب شرق البلاد. وألحق أضرارا كبيرة بالبنية التحتية بما يشمل المرافق الصحية والطرق وخطوط الاتصالات.

ويمكن أن تكون العواصف الاستوائية وارتفاع درجات حرارة البحر سببا في استنفاد الأرصدة السمكية، بينما يجعل الطقس القاسي الصيد أمرا أكثر خطورة.

وقال مساعد عقلان، الباحث الأول في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، إن هذه العوامل تدفع الصيادين إلى ترك هذه التجارة.

وصرّح “يتعرض مصدر رزقهم للتهديد بينما زادت الحرب من حدة مشاكلهم. واختار بعض الصيادين إلقاء شباكهم في أماكن أبعد، حيث غامروا بالدخول إلى مناطق الصيد على طول ساحل شرق أفريقيا. لكن هذه المياه قد تكون غادرة. واحتجز القراصنة والسلطات الأجنبية بعض الصيادين”.

وأعلنت وكالة سبأ الإخبارية التي يديرها الحوثيون عن عودة 17 صيادا إلى الشواطئ اليمنية، بعد مرور أسابيع على احتجازهم في سجون إريترية تعرضوا فيها لانتهاكات من قبَل السلطات.

وقالت سلمى ناصر عبدان، رئيسة جمعية الساحل التنموية بمنطقة رأس عمران في لحج، إن “الاضطرابات في البحر الأحمر دفعت الصيادين اليمنيين من عدن ومناطق جنوبية أخرى إلى الطرق الأكثر خطورة للمرة الأولى”. وفي الأثناء ترتفع المخاطر مع استئناف القراصنة أنشطتهم في المياه قبالة الصومال.

وأضافت عبدان أن الصيادين اليمنيين “معرضون لتهديدات القرصنة في مياه الصومال.

ويتعرضون لأخطار تشمل القتل وافتكاك معدات الصيد منهم”.

من جهة أخرى يواجهون في البحر الأحمر الكثير من الممارسات التي أضرت بالصيد كاستخدام الشباك الصغيرة وإشعال النيران في البحر لجلب السمك، والتجريف العشوائي للأسماك والأحياء البحرية من قبل الشركات الأجنبية، وبعض الممارسات التي أضرت بالصيد والصيادين اليمنيين الذين يعتمدون على الصيد كمصدر دخل رئيسي، بالإضافة إلى اختطاف واستهداف الصيادين في البحر.

ويعد الصيد المهنة الرئيسية التي تعتاش عليها الآلاف من الأسر في مدن الشريط الساحلي الغربي في اليمن، حيث يخرج الصيادون كل يوم للبحث عن لقمة عيش يعيلون بها أنفسهم وعائلاتهم.

ويبحر الصيادون اليمنيون على متن قواربهم ويلقون بشباكهم في البحر، ويترقبون جمع الأسماك. إلّا أن مصدر الرزق هذا تحوّل إلى مبعث خطر يحاول تصيدهم، فإما أن يعودوا آمنين بشباكهم المنهكة أو يقعون فريسة في شباك جهات تتربص بهم.

ففي واحدة من أبشع المجازر التي وثقتها بعض المنظمات الدولية لحقوق الإنسان بحق الصيادين اليمنيين، قضى 42 من الصيادين نحبهم، وجرح 12 آخرون إثر استهدافهم بسلسلة غارات جوية في جزيرة عقبان، قبالة سواحل مدينة الحديدة (غربي اليمن)، في 3 نوفمبر 2015، أثناء ممارستهم الصيد.

ويقول الصياد علي بغوي “كنت أحد الناجين من المجزرة، لكني فقدت قدمي، وحُرِمت من ممارسة مهنة الصيد التي تُمثل مصدر دخلي الوحيد، الإصابة قلبت حياتي رأسًا على عقب؛ إذ فقدتْ أسرتي معيلها الوحيد، وخسرتُ كل ما لديّ لسداد تكاليف العلاج، ومازلت حتى اللحظة عاجزًا عن توفير مبلغ 800 ألف ريال لإجراء عملية ضرورية”.

ويقول الصياد محمد نجيب من الساحل الغربي “تسببت الحرب لنقاط التجميع على طول ساحل البحر في انتشار ظاهرة الصيد العشوائي بأساليب خاطئة ناتجة عن قلة الوعي وعدم إدراك المخاطر التي تهدد الثروة السمكية على المدى البعيد، واحتكار السوق واستخدام أدوات صيد محرمة دوليّا”.