> "الأيام" غرفة الأخبار:

​لم تكن مسيرّة «يافا» عملية الاستهداف الأولى لتل أبيب، فقد تعرضت لصواريخ من العراق في حرب الخليج الأولى وبدءا من حرب «عمود السحاب» عام 2012 وصلتها صواريخ غزة وإن كانت القبة الحديدية قد أسقطت أغلبيتها.

بيد أن مسيرّة الحوثيين هذه المرة أربكت إسرائيل بشكل خاص لأكثر من سبب منها المكان والزمان والوسيلة القتالية وهوية مطلقيها رغم أن بعض الجهات الإسرائيلية سبق وحذرّت من مواصلة الاستخفاف بالحوثيين وتهديداتهم. نتجت حالة إرباك عامة داخل إسرائيل وتعرضت هيبتها، صورتها وقوة ردعها للطمة جديدة رغم أنها تسببت بقتل إسرائيلي واحد فقط وإصابة عشرة آخرين بجراح خفيفة وهكذا تعرض وعي الإسرائيليين خاصة في تل أبيب الكبرى لهزة جديدة. ونتج ذلك عن كون الضربة في مكان مشحون برمزية كبيرة، تل أبيب المدينة الصهيونية الأقدم والأكبر التي تعتبر قلب إسرائيل وعاصمتها الفعلية.

كما لعب التوقيت دورا في مفاقمة مزاج الإحباط والغضب السائد لدى الإسرائيليين أصلا، فالحرب دخلت شهرها العاشر وحماس توقفت منذ شهور عن توجيه صواريخ نحوها فيما حالت القبة الحديدية والقوات الأمريكية دون وصول صواريخ ومسيرّات من اليمن والعراق لمركز إسرائيل فجاءت «يافا» مباغتة مفاجئة لاسيما أن دوي الانفجار أيقظ ملايين الإسرائيليين من نومهم وهذا لابد يذكّرهم بـ«طوفان الأقصى» حينما داهمتهم قوات المقاومة داخل أسرة نومهم في البيوت والقواعد العسكرية. بعدما خالوا أن تل أبيب باتت محصنّة لعدة عوامل أطلت «يافا» من البحر بشكل مفاجئ وأصابت وعي الإسرائيليين وهيبة الجيش والحكومة بل الدولة بشظايا.

في 1991 كانت دولة قوية قد أطلقت نحو 40 صاروخ سكاد نحو تل أبيب وحيفا، وبعد نحو العقدين كانت حماس قد عاودت الكرة وبدأت باستهداف تل أبيب الكبرى، لكن الإسرائيليين طالما استخفوا بالحوثيين خاصة أنهم بدائيون وفولكلوريون في مظاهرهم ونوعية أسلحتهم وهم على بعد 2000 كيلومتر. ولذا جاءت المفاجأة صادمة للوعي هذه المرة وزاد مشاعر الإحباط والغضب إزاء حكومتهم العاجزة عن توفير الحماية الكاملة حتى وهم في قلب الدولة اليهودية وهذا يضاف لخيبة أمل عميقة من الفشل في تحقيق أهداف الحرب ومن اندلاع جبهات أخرى شملت الجبهة الداخلية بما فيها المدينة الرمز.
  • استخفاف إسرائيلي بالحوثيين
قبيل انقضاض «يافا» على تل أبيب فجر الجمعة حذر داني سيتيرونوفيتش وهو باحث مختص في الشؤون الشرق أوسطية في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب من الاستخفاف بالحوثيين. في مقال جديد يقول داني سيتيرونوفيتش إن قليلا من الخبراء، إن وُجدوا أصلاً، رأوا في بداية الحرب أن التهديد الحوثي لإسرائيل يستحق اهتماماً خاصاً. ويتوقف عند منابع هذا الاستخفاف: «إذ كان يُنظر إلى التهديد العسكري الآتي من جهة الميليشيات الشيعية في العراق، والجماعات الإرهابية الفلسطينية في غزة، وبالتأكيد حزب الله، أنه أكبر كثيراً من التهديد الحوثي الذي كان يُعتبر مزعجاً، لكنه ليس مؤذياً فعلاً، وفقا لما نشرته صحيفة "القدس العربي".

أمّا اليوم، لقد بات واضحاً أن التنظيم الإرهابي اليمني يشكل تهديداً كبيراً، ليس فقط لإسرائيل، بل لاستقرار الإقليم، وحتى للاقتصاد العالمي، وهو يزداد تفاقماً بمرور الوقت». داني سيتيرونوفيتش الذي حذر من ذلك قبل وقوع عملية المسيّرة في تل أبيب يقول أيضا إن الحرب الحوثية – السعودية، والدعم الكبير الذي تلقاه الحوثيون من إيران، على شكل أسلحة ومعرفة، كل ذلك ساعدهم على إنتاج أسلحة مستقلة في اليمن، وعلى جعل الحوثيين، ليس فقط منظمة «إرهابية» ذات قدرات عسكرية «دولانية» (خاصة في مجال الصواريخ البالستية) بل ساعدتهم كثيراً على تطوير «مناعة» ضد الهجمات الخارجية. ويرى أن هذا الأمر يساعد أعضاء التنظيم على الاستمرار في إطلاق النار على إسرائيل، وعلى السفن المارة في مضيق باب المندب، وعلى تهديد الوجود البحري الأمريكي في المنطقة من دون أن تتضرر «استمرارية عملياتهم» بشكل كبير. لافتا أن هذا يتم رغم سلسلة الهجمات التي شنتها القوات الأمريكية على المنشآت الاستراتيجية التي يستخدمها الحوثيون خلال الأشهر الماضية.
  • قدرة الإنتاج
ويشير الباحث الإسرائيلي إلى أن الحوثيين تمكنوا من تجميع المعرفة والقدرات، وصولاً إلى تطوير قدرة إنتاج محصنة، في موازاة استمرار الدعم الإيراني، وهو ما يسمح لهم بالحفاظ على وتيرة إطلاق النار على الأهداف نفسها. ويضيف «كما يسمح لهم بإدخال أسلحة إضافية فريدة في نوعها إلى المعركة، مثل القوارب المفخخة التي استخدمها الحوثيون في السابق ضد السعودية، والتي تُستخدم الآن أيضاً في المعركة البحرية ضد الأمريكيين، أو ضد السفن المدنية المتجهة إلى إسرائيل. يقف النظام الدولي، من نواحٍ كثيرة، عاجزاً في مواجهة الحوثيين، ويبدو أنه يأمل بشكل رئيسي بانتهاء المعركة في غزة، وهو ما سيؤدي أيضاً إلى توقف الهجمات الحوثية».
  • المعركة في غزة
ومع ذلك، يرجح داني سيتيرونوفيتش أنه سيكون من الصعب بمكان، حتى بعد انتهاء المعركة في غزة، إعادة «الجن» الحوثي إلى قمقمه إذ اكتشف الحوثيون، بعد انضمامهم إلى المعركة في مواجهة إسرائيل، أن الأمر يعزز مكانتهم داخل «محور المقاومة» بشكل كبير، ويقوي قدرتهم على الردع، وبصورة خاصة ضد السعودية. لذلك، من المحتمل أن يستمر الحوثيون في استخدام «القوة» لتحقيق أهدافهم، حتى إذا توقفت الهجمات على إسرائيل (في حال توقف إطلاق النار في غزة) ولذلك، قد تستمر عملياتهم العسكرية في منطقة المضائق، لكن أهدافها ستكون مختلفة (رفع الحصار، الابتزاز الاقتصادي، وغيرها). ويتابع الباحث الإسرائيلي: «أكثر من ذلك، لقد أدت الحرب الراهنة إلى نتيجة ثانوية إضافية تتمثل في تعزيز العلاقات بين الحوثيين وحزب الله (الذي ساعد الحوثيين سابقاً في قتالهم ضد السعوديين) إلى جانب الميليشيات الشيعية في العراق، التي تتعاون مع الحوثيين، عملياتياً واستراتيجياً، وهو ما يزيد في التهديد الآتي من هذه التنظيمات».
  • الثقة بالنفس
ويقول داني سيتيرونوفيتش إن ازدياد شعور الحوثيين بالثقة يدفعهم إلى رفع منسوب تهديداتهم ضد السعودية مؤخراً، في محاولة لابتزاز السعوديين، للحصول على تنازلات مالية وسياسية، وغيرها، وحفظ اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين، بالإضافة إلى التهديدات العلنية التي أطلقتها الميليشيات الشيعية في العراق ضد العائلة السعودية المالكة في حال انهيار الاتفاق بينهم وبين السعوديين. علاوةً على ذلك، يرى أن الحوثيين يوسعون أيضاً نشاطهم في القارة الأفريقية في محاولة لزيادة تهديدهم لإسرائيل من منطقة البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يهدد أيضاً المصالح الخليجية في القارة. منوها أن العلاقة بين الحوثيين وتنظيم الشباب الصومالي «الإرهابي» مثلاً، تهدد نشاطات الإمارات التي تسعى لتحقيق الاستقرار في الوضع الداخلي المتزعزع في الصومال. ويضيف في هذا المضمار: «يمكن اعتبار الحوثيين مثالاً واضحاً لخطر انتشار الأسلحة التقليدية الإيرانية، التي تنقل فعلياً قدرات استراتيجية إلى أيدي تنظيمات إرهابية تستخدمها لزعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي. ويشكّل الأمر دليلاً إضافياً على الحاجة إلى العمل بشكل واسع لقطع العلاقة بين إيران والحوثيين من خلال مجموعة متنوعة من الإجراءات، بما في ذلك الحاجة إلى تكبيد إيران أثماناً، كردّة فعل على نشاطات الحوثيين، وعلى وجه الخصوص، التركيز على العقوبات التي من شأنها منع طهران من الاستمرار في دعم بناء قوة التنظيم الإرهابي اليمني».
  • استهداف الحوثيين وإيران
ويخلص داني سيتيرونوفيتش للقول إن التهديد الحوثي، عموماً، واستعداد قادة التنظيم الحوثي، خصوصاً، لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق رغباتهم، يتطلب تشكيل تحالف دولي، يهدف بشكل رئيسي إلى ضرب بناء القوة الحوثية ضربات جسيمة، لإضعاف قدرة هذا التنظيم على التهديد بصورة كبيرة، وعلى الصعيد نفسه، ضرب قدرتهم السلطوية بصورة جسيمة. كما يقول الباحث الإسرائيلي إنه رغم أن إسرائيل تُعتبر هدفاً رئيسياً للحوثيين، فإن نشاطهم يؤثر في العديد من الدول في المنطقة والنظام الدولي (هو يؤثر في مصر على صعيد الخسائر في عائدات قناة السويس، ويؤثر في الدول الأوروبية والآسيوية بسبب التهديد الحوثي لحرية الملاحة في مضيق باب المندب، ويشّكل تهديداً عسكرياً مستمراً لدول الخليج) لذا، بات من الضروري تجنيد هذه الأطراف لمصلحة المعركة ضد الحوثيين.