> "الأيام" وكالات:
يحذر رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت من انفلات عقال المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة ومن عودة جرائمهم كيدا مرتدا على الإسرائيليين الذين سيصبحون هم أيضا هدفا لرصاصهم واعتداءاتهم.
في مقال نشرته صحيفة «هآرتس» يقول أولمرت إن إسرائيل تشهد في هذه الأيام حرباً متعددة الجبهات في مواجهة عنيفة مع حزب الله في الشمال منذ 10 أشهر، لافتا لوجود 80 ألفاً من سكان الشمال تركوا منازلهم وانتشروا في مناطق مختلفة من البلاد. منوها للميليشيات الإيرانية في سوريا، والحوثيين في اليمن، والميليشيات العراقية، وأهم من هذا كله- إيران- جميعهم يشاركون في الحرب ضد إسرائيل، ومستعدون لتوسيعها وزيادة قوتها. ويتابع: «في هذه الأيام، نحن منشغلون بتفسير شكل الردود المتوقعة من إيران وحزب الله على اغتيال اسماعيل هنية وفؤاد شُكر.
في حالة شُكر، أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن الاغتيال، رسمياً. أمّا في حالة هنية، فامتنعت من إصدار بيان رسمي، لكن نتنياهو الفنان سارع إلى الاستوديوهات لتبشير شعب إسرائيل والعالم بقوتنا وذكائنا وتصميمنا على ضرب جميع أعدائنا.
إن كان هناك من شك في أن إسرائيل هي التي اغتالت هنية الذي يستحق نهايته، جاء نتنياهو، وبطريقة التفاخر التي يتميز بها، منح الإيرانيين أكثر من تلميح على أنها فعلاً هي المسؤولة عن العملية».
ويشير أولمرت إلى أن إسرائيل تتجهز للانتقام المتوقع من إيران وحزب الله، المتحدثون باسمها لا يتوقفون عن إعلان التحضيرات والتجهيزات والرد الإسرائيلي، في حال تجرأت إيران، أو حزب الله، على ضربنا.
ويقول أيضا إن حاملات الطائرات الأمريكية والسفن الحربية، وأسراب طائرا، وقوات عسكرية لجيوش أوروبية- جميعهم مستعدون للرد إذا فتحت إيران ما يمكن أن يكون حرباً متعددة الجبهات ضد إسرائيل.
ويمضي في تحذيراته: «نحن مصممون على الرد بحرب كبيرة ضد كل أعدائنا من الخارج، إلّا إن الخطر الأكبر الذي يهدد إسرائيل، ويهدد وجودها فعلاً، ويمكن أن يُزعزع استقرارها واقتصادها ووحدتها وهويتها- هو الخطر الداخلي الذي لا نتطرق إليه جميعنا.
هذا الخطر يبرز من خلال التأثير الكبير والمتصاعد للمجتمع اليهودي- المسياني الغيبي، الذي يتمدد كثيراً، ويسيطر على مناطق مختلفة داخل الدولة والمجتمع الإسرائيلي، وهو مصمم على زعزعة أساسات وجودنا كما كانت عليه منذ تأسيس الدولة.
أريد تعريف هذه الفئة من المجتمع لمساعدة مَن يواجه صعوبة في تشخيص الخطر، مَن هي بالضبط، وما هو التهديد الذي تشكله؟ أنا أتحدث عن حركة المستوطنين ممن يتسمون بتركيزهم العالي في الضفة الغربية».
ويقول إنه لعدم التشكيك في أقواله، فسيكرر ما قاله سابقاً في فرص عديدة، إن الشبان المستوطنين الذين يقاتلون في الجبهة هم من أبطال ومقاتلي شعب إسرائيل. منوها أن التزاماتهم وتضحياتهم وشجاعتهم مصدر إلهام له ولكثيرين غيره، فعدد القتلى في صفوفهم كبير ويفوق حجمهم في المجتمع الإسرائيلي اليهودي لكن سائر الجمهور الذي ينتمي إلى هذه الفئة في الضفة وداخل دولة إسرائيل- حدود سنة 1967- يهدد وجود إسرائيل بصورة حقيقية.
- اقتحام قاعدة ساديه تيمان
ويرى أولمرت أن الأحداث التي جرت في معسكر الجيش «سديه تيمان» ليست إلا البداية الصغيرة لتهديدهم الدولة معتبرا أن هذا الخطر يتم التعبير عنه، أولاً وأساساً، من خلال شعورهم، ومن خلال قياداتهم وممثليهم في الكنيست والحكومة والسلطات البلدية والجماهيرية المختلفة، بأن كل شيء مسموح لهم، ولا يوجد ما يكبحهم داخل الدولة. ويقول إن اندفاعهم وهجومهم على القواعد العسكرية، والضرر الذي ألحقوه بالجيش والجنود والضباط – نتيجة لا يمكن منعها، وهي نابعة من القوة التي راكموها وشعورهم بأنه مسموح لهم لأنهم يمثلون الروحية الحقيقية التي يجب أن تكون الأساس لوجود دولة إسرائيل.
- الهدف النهائي
وطبقا لأولمرت فإن هذا ليس الهدف النهائي لهذه الفئة من المتطرفين الغيبيين ويقول إنه في نظرهم، لا مفر أيضاً من تطهير المجتمع الإسرائيلي من كل مَن لا يوافق معهم، ومن كل مَن هو مستعد للتفكير في تسوية جغرافية، كجزء من مسار يمكن أن يؤدي إلى المصالحة بيننا وبين الفلسطينيين. ويدلل أولمرت على مآرب هؤلاء بقوله «أطلق هؤلاء على فئة كبيرة داخل المجتمع مسمى يساريين، ويتم نبذهم، ومن الممكن أيضاً التحريض ضدهم وإطلاق النار عليهم، إذا احتاج الأمر. لقد تم توزيع أسلحة ملائمة للميليشيات التي تنصاع لقائد المعسكر المسياني.
واليوم الذي ستقوم فيه هذه الميليشيات باستعمال السلاح الذي حصلوا عليه لطردنا نحن- اليساريون، المتعاونون مع حماس ورجال الشاباك والأجهزة الأمنية. في نظر جزء من المحرضين، هؤلاء الخونة تحدثوا مع يحيى السنوار، ونسقوا معه الهجوم القاتل الذي نفّذته حماس يوم 7 أكتوبر. هذا التحريض الذي تنشره حسابات وهمية، والداعمون لنتنياهو يعيدون نشره ونفث السم الذي نعرف مصدره».
ويقول أولمرت في هذا المضمار إنه «إذا كان هذا ليس كافياً، فيوجد في الجيش اليوم وحدات كاملة تضع لنفسها قواعد مختلفة عن تلك المتعارف عليها، والتي كبرنا عليها، وكانت السمة المعروفة الأخلاقية لدولة إسرائيل.
المثال الأفضل رأيناه في ساديه تيمان وقضية الجندي أليؤور آزريا قاتل عبد الفتاح شؤريف من الخليل وهو جريح ملقى على الأرض وسببت احتجاجات كبيرة في إسرائيل، ومنذ ذلك الوقت، في سنة 2016 شعر جزء كبير منا بالاستغراب حيال الدعم الذي حصل عليه آزاريا من فئات واسعة من المنظومة السياسية، وأيضاً من أجهزة الأمن والوحدات المقاتلة».
- اتساع الفاشية
ويرى أن قضية «سديه تيمان» خطِرة، أكثر كثيراً من قضية آزريا معللا ذلك بالقول: «هنا لا يدور الحديث حول جندي شاب لا يفكر بشكل جيد، وتصرّف بطريقة عفوية، وفقد السيطرة على نفسه، بل حول مجموعة كبيرة من الأشخاص الناضجين، جنود في جيش الاحتياط. ماذا حدث هناك؟ لا نعرف، وأتخوف من ألّا نعرف قط في المستقبل أيضاً.
للأسف، مجموعة المشاغبين الذين يستمعون إلى توجيهات إيتمار بن غفير وزملائه من حزب «قوة يهودية» أو حزب «الليكود» أو أحزاب أُخرى في الائتلاف، ليسوا فقط أعضاء كنيست، أو «شبيبة تلال» بل أيضاً هم أفراد شرطة ومحققون، ومن غير المؤكد أنهم يقومون بدورهم، بحسب القانون، ويكشفون ما يجب الكشف عنه.
ويوضح أولمرت أنه في نهاية المطاف، بالنسبة إلى هؤلاء المتشددين اليهود فإن أسرى «النخبة» هم» قتَلة»؛ وعندما يتعلق الأمر بهم، فإن قواعد الأخلاق والمعايير المطبقة في التحقيق، أو منع الاعتداء الجنسي على المعتقلين، لا تنطبق عليهم. كما يقول إنه إذا كان من الممكن ضرب فلسطينيين أبرياء في الضفة الغربية وإلحاق الضرر بهم، وعندما يتجاهل الجيش والشرطة ذلك – إذاً، فما الذي يمنع الاعتداء على أسير كان له علاقة بيوم السبت الأسود في 7 أكتوبر، حتى لو كان مرمياً داخل الزنزانة من دون أيّ قدرة؟ لمذا يُمنع الجنود من ارتكاب أفعال مشابهة لِما فعلوه بنا؟
- نقترب من الحرب الأهلية
ويمضي أولمرت في مهاجمة رموز هذا التيار الغيبي المتشدد بلغة ساخرة: «اليوم الذي سيطلب فيه الجنود من الوزير عميحاي إلياهو، أو المقاتل تسفي سوكوت، الحضور عندما يتلقون أوامر لا تتماشى مع ما يؤمنون به ليس بعيداً.
على سبيل المثال، أمر إخلاء مستوطنة غير قانونية، أو السماح لقافلة مساعدات إنسانية بالوصول إلى المجتمع الفلسطيني الذي يحتاج إليها بشكل عاجل في غزة. أنا أعلم أن ما أكتبه يمكن أن يبدو مبالغاً فيه. لكن، هل نحن فعلاً قريبون من واقع حرب أهلية ومواجهة عنيفة بين الجماعة المسيانية (الغيبية) وبين فئة أُخرى مهمة ومركزية في المجتمع الإسرائيلي؟ هل سيكون من الممكن أن يهاجم شبيبة التلال والمشاغبون من الضفة الذين يهاجمون الجنود، ويحاولون منعهم من القيام بواجبهم، ومنع العنف، بتوجيه بندقية في اتجاه مواطنين يمثلون قيماً مختلفة، وفي الأساس رؤية مختلفة للعالم؟ هل يمكن أن يُلحق شبيبة التلال الضرر بهؤلاء الذين يستعدون للانسحاب من الضفة، ومن ضمنهم أنا؟ وهل يوجد أيّ احتمال لأن يفهموا أنه لا مفرّ من التنازل عن أراضٍ في الضفة من أجل التوصل إلى تسوية تقودنا في نهاية المطاف إلى الحديث عن السلام والمصالحة والحياة، من دون حرب وسفك دماء وقمع شعب آخر؟».
- تناغم المستوطنين مع السياسيين
وضمن توجيه اتهام خطير لنتنياهو يرى أولمرت أنه لا يمكن الفصل ما بين سلوك المخلّين بالنظام من المستوطنين، ومَن يلتحق بهم من أماكن أُخرى، عن لهجة ونمط حديث القيادة السياسية، وفي الأساس العنف وقسوة القلب التي يتعامل بها رئيس الحكومة مع القيادتين الأمنية والعسكرية.
مَن يصف رئيس هيئة الأركان ورئيس «الموساد» ورئيس «الشاباك» والمقاتلين في الاستخبارات والطيارين في سلاح الجو بأنهم ضعفاء، ولا يملكون القدرة، أو الاستعداد لقتال «حماس» والضغط على يحيى السنوار- فإنه يلهم المخلّين بالنظام من «شبيبة التلال» ويمنحهم الدعم الأخلاقي، ويسمح لهم بالقيام بخطوة إضافية. ويقول أيضا عن نتنياهو إنه يشجعهم على التفكير في أن هؤلاء الأشخاص هم فعلاً ضعفاء وجبناء ومستعدون للضغط على نتنياهو، وليس على السنوار، ويتعاونون مع الأعداء، ومن المسموح التعامل بعنف معهم، ومع مَن يدعمهم. ويضيف «إسرائيل تقاتل بشجاعة مَن يريدون قتلها من الخارج. أنا لا أستهتر بتهديد أمنها وسلامتها».