الثلاثاء, 08 يوليو 2025
199
في لحظةٍ فارقة من الأزمة التي تعصف بشعب يتضور جوعًا، يخرج رئيس الوزراء سالم بن بريك ليعترف صراحة أن خزينة الدولة صفر. لا يحتاج هذا التصريح إلى محللين اقتصاديين ولا إلى قراءات سياسية معمقة لفهمه؛ إنّه إعلان إفلاس رسمي وموثق من رأس الهرم التنفيذي، يأتي في وقت تتكاثر فيه الأسئلة عن مشروعية بقاء هذه الحكومة، لا عن جدوى قراراتها فقط.
أن يعلن رئيس الوزراء أن الخزينة خاوية، فذلك أمر جلل، ولكن الأخطر هو أن يتم قول ذلك بنبرة باردة كأنها تقرير حالة طبيعية، لا تستدعي الاستقالة ولا حتى مساءلة وطنية. فهل بات الإفلاس سياسة معترف بها؟ أم أن تكرار مسلسل الصدمة أمام الكاميرات بات وسيلة لتعويم الفشل باسم الواقعية؟
المشكلة لا تقف عند حدود المال، بل تتعداها إلى أزمة في القيم السياسية نفسها. رئيس حكومة يقر بعجز الدولة ماليًا، لكنه مع ذلك قبل المنصب، وأدى اليمين الدستورية، وتسلّم إدارة مؤسسات يعلم مسبقًا أنها غير قادرة على الإنفاق ولا على دفع المرتبات، بل وغير قادرة على حماية شرعيتها أمام شعب بات يرى في تلك الشرعية عبئًا وليس مظلة.
كيف يمكن لمن يعرف حجم الانهيار أن يقبل بقيادة السفينة وهي تغرق؟ إلا إذا كان الدور المطلوب منه ليس الإنقاذ بل التوقيع على شهادة الوفاة. في دولة تُنهب مواردها، ويُدار ملفها الاقتصادي والسياسي من غرف إقليمية مغلقة، يصبح من السهل فهم هذا الصمت المريب، بل والتماهي الرسمي مع واقعٍ لم يعد يُطاق.
ولعلّ الأخطر في كل ذلك، أن الاعتراف بالإفلاس لم يترافق مع أي خطاب إصلاحي، أو رؤية إنقاذ، أو حتى مكاشفة بمصادر العبث والنهب والفساد. لا شيء سوى التوصيف. وكأن مهمّة الحكومة هي تقديم بيانات النعي الوطني، لا خوض معركة البقاء واستعادة الدولة.
إن أخطر ما يمكن أن تصل إليه الدول ليس الإفلاس المالي، بل الإفلاس السياسي والأخلاقي، حين يصبح المنصب مجرد محطة عبور لاختبار الولاء الإقليمي، لا مسؤولية أمام شعب يئن من القهر والفقر وتآكل الكرامة. وهذا بالضبط ما يفعله من يتعامل مع الكارثة وكأنها "خبر عابر"، لا تستحق سوى فقرة في مقابلة صحفية.
إن المطلوب اليوم ليس الاعتراف بالكارثة، بل امتلاك شجاعة مواجهتها أو مغادرة المشهد. فإمّا أن تكونوا رجال دولةٍ في زمن الانهيار، أو لا تكونوا. أما أن تبقوا شهود زور على ما تبقى من وطن، فذلك ما لن يغفره لكم التاريخ، ولا جراح الناس التي تزداد نزفًا كل يوم.
خاص لـ "الأيام" عدن