في السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962، انطلقت ما يُعرف بـ "ثورة 26 سبتمبر" في اليمن وأسفرت عن الإطاحة بالنظام الإمامي، ومع مرور الزمن بدأت تظهر تساؤلات حول حقيقة هذه الثورة، وهل كانت تغييراً حقيقياً أم مجرد انقلاب عسكري يقوده مجموعة من الضباط؟ وفيما يلي نتناول مجموعة من الاعتبارات التي تؤكد أن هذا الحدث لم يكن ثورة حقيقية بقدر ما كان انقلاباً عسكرياً بامتياز:

1 - عدم وجود قاعدة جماهيرية

لم تنطلق الحركة من قاعدة شعبية عريضة، بل جاءت نتيجة لخطط عسكرية أجمع عليها عدد من الضباط، مما يعني أن الدعم الشعبي لم يكن هو العامل الرئيسي في نجاحها. هذا الأمر أثار تساؤلات حول مدى صحة كونها تمثل إرادة الجماهير.

2 - التكتيك العسكري

اعتمدت القوى التي قادت الثورة بصورة كبيرة على العمليات العسكرية الانقلابية، وليس على عمليات التغيير الاجتماعي أو السياسي المعروفة، فالأحداث تمت بصورة مفاجئة إلى حد بعيد، مما جعلها تفتقر لمبادئ التحرك الثوري الذي يعتمد على تحفيز الجماهير.

3 - غياب الأيديولوجيا الثورية

الثورات غالباً ما تحمل في طياتها أيديولوجية فكرية تهدف إلى تحقيق تغييرات جذرية في المجتمع، وبخاصة في توعية الجماهير بأهدافها، بينما جاءت "ثورة 26 سبتمبر" بلا أيديولوجيا واضحة ومحددة، مما جعل مضامينها ضعيفة وتأثرت بفقدان الأهداف الاجتماعية والفكرية والثقافية.

4 - استبدال نظام بنظام

بعد الإطاحة بالنظام الإمامي لم يحدث تغيير جذري في هياكل السلطة، بل تم استبدال نظام بآخر، فقد تم الإعلان عن إنشاء جمهورية، لكن العديد من ممارسات الحكام الجدد تكررت بشكل أو بآخر، من حيث الهيمنة السياسية والسلطوية، ليثير شكوكًا حول مسألة التغيير الحقيقي.

5 - تدني مستوى الإصلاحات

لم تُستكمل أي من الإصلاحات الحقيقية اللازمة لتغيير البنية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد بعد الثورة، وصارت الجمهورية التي أطلق عليها نظام الحكم تجسد صورة فارغة ولا تزيد عن كونها مجرد تسمية، تخلو من المضامين الاجتماعية والسياسية التي تعكس روح التغيير.

6 - الإقصاء السياسي للخصوم

رغم ما ادعى قادة الثورة من رغبتهم في بناء جمهورية ديمقراطية، إلا أن الفترة التي تلت الثورة شهدت إقصاءً واسعاً للخصوم السياسيين وعمليات تصفية، مما زاد من حدة الاستبداد في الحكم.

7 - المرتكزات القبلية في المجتمع

تجذرت القبلية في النسيج الاجتماعي اليمني، الأمر الذي لم يتغير بعد بعد ما سمي بثورة26 سبتمبر بل زاد من تعقيد الوضع، حيث استمرت الصراعات القبلية والنزاعات على السلطة بعد الإطاحة بالنظام الإمامي، مما أسس لواقع شكلي جديد بعيداً عن أي تغيرات ثورية قوية.

وبينما تُذكر ثورة 26 سبتمبر كحدث تاريخي هام في ذاكرة اليمن، فإن العديد من الاعتبارات تُظهر أنها لم تكن ثورة بالمعنى التقليدي، بل هي عملية انقلاب عسكري تمت بدون تأصيل شعبي حقيقي، وفي النهاية فقد ظلت الجمهورية الجديدة التي نشأت كعنوان للأنظمة السياسية دون مضامين حقيقية أو تغييرات جذرية، مما يطرح سؤالًا مهمًا حول مستقبل اليمن ورغبة شعبه في البحث عن التغيير الحقيقي.