> ​مسقط "الأيام" العرب اللندنية:

طالب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في لقائه مع وفد حوثي، يرأسه المتحدث باسم الجماعة محمد عبدالسلام، بالتصعيد ودعم حزب الله وحركة حماس أمام “جرائم الكيان الصهيوني”، لكنه انقلب “عراقجيا” آخر حين طلب من وزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي مواصلة الجهود لخفض التصعيد في المنطقة رغم إدراك إيران استحالة ذلك في ظل دعم واشنطن خطط إسرائيل لتفكيك حزب الله.

تأتي تصريحات وزير الخارجية الإيراني التي تتسم بالتناقض استمرارا لازدواجية الخطاب التي رافقته في جولته الخليجية من خلال كلامه عن الهدنة والسلام مع القيادات الخليجية فيما كانت تأتي تهديدات للخليج “من مصادر” في طهران تلوّح بضرب دول الخليج في حال سمحت  واحدة منها بمرور “طائرات معادية”.

وبالرغم من دعوة عراقجي وزير الخارجية العماني إلى “مواصلة ودعم الجهود المبذولة لوقف التصعيد والتوتر في المنطقة عبر الحوار والوسائل السلمية وتسخير الدبلوماسية أداة أساسية لحل الخلافات والصراعات”، عاد ليقول بأن المباحثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن متوقفة حاليا بسبب غياب “الأرضية” المناسبة لها في ظل تصاعد التوتر الإقليمي.

وقال عراقجي للصحافيين إن “هذا المسار متوقف الآن بسبب الظروف المحددة في المنطقة. حاليا لا نرى أي أرضية للمباحثات، إلى حين نتمكن من تجاوز الأزمة الراهنة. عندها سنقرر ما إذا كنا سنواصل العمل وكيف (يتمّ ذلك)”.

ويعكس حديث الوزير الإيراني عن توقف قنوات التواصل مع واشنطن إدراك المسؤولين الإيرانيين أن لا جدوى من الحوار مع الأميركيين عبر مسقط كما حصل في مرات سابقة، وأن عودة هذا الحوار لن تكون إلا بعد إنهاء الحرب في لبنان باستكمال إسرائيل استهدافها حزب الله وتفكيك نفوذه والقضاء على صواريخه ومسيّراته.

ومن الواضح أن عراقجي كان يتحدث عن تعطل الحوار بسبب التوترات الإقليمية وفي ذهنه أن واشنطن تراجعت عن مبادرتها لوقف إطلاق النار في لبنان، التي أطلقتها قبل فترة، وأعطت الأولوية لتفكيك حزب الله، وهو ما أشار إليه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر قبل أيام حين قال “ندعم إسرائيل في شن الهجمات بهدف تدمير البنية التحتية لحزب الله حتى نتمكن في نهاية المطاف من التوصل إلى حل دبلوماسي”.

ولا تعكس الازدواجية في إطلاق الرسائل قدرة على المناورة، كما كان يقال عادة عند توصيف التعاطي الإيراني مع ملفات المنطقة. فهذه المرة الصورة مختلفة؛ حيث يطلق المسؤولون الإيرانيون التهديدات وهم في موقف ضعيف بعد الخسائر التي لحقت بحزب الله، وهو الذراع الأهم بالنسبة إلى طهران وورقة التفاوض الرئيسية مع واشنطن. وإيران نفسها قد تتعرض لضربات إسرائيلية قوية كرد على هجومها الأخير الذي أطلقت خلاله قرابة مئتي صاروخ على إسرائيل.

ورغم إدراكهم استحالة التوصل إلى تهدئة يبحث الإيرانيون عن سُبل منع اتساع الصراع كي لا يصل إلى بلادهم ويقف عند حدود تفكيك أذرعهم في لبنان واليمن وسوريا والعراق.

وقال مصدر إسرائيلي الاثنين إن إيران بعثت “رسالة إلى الولايات المتحدة (حليفة إسرائيل) عبر دولة ثالثة، مفادها أنه إذا اقتصر الرد الإسرائيلي على أهداف معينة، فستعتبر الجولة مغلقة ولن ترد”.

ولم يحدد المصدر اسم الدولة الثالثة ولا ما يعنيه بـ”أهداف معينة”.

وتوعدت إسرائيل بأن تكبد إيران ثمن الهجوم الصاروخي الذي نفذته في الأول من أكتوبر الجاري، فيما قالت طهران إن أي رد سيقابَل بدمار واسع النطاق، وهو ما أثار مخاوف من اندلاع حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط قد تشمل الولايات المتحدة.

ووصل عراقجي الاثنين إلى مسقط بعد أن زار العراق، حيث أكد استعداد بلاده للحرب رغم أنها لا تريدها، وذلك ضمن جولة له في المنطقة شملت قطر والسعودية أين بحث مع مسؤولين كبار سبل احتواء النزاع والتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان وغزة.

ويعتقد المراقبون أن سلطنة عمان لن تجد نفسها في وضع يسمح لها بالتحرك لإجراء وساطة بين الولايات المتحدة وإيران طالما أن الظروف تغيرت؛ حيث صار من الصعب التوصل إلى تهدئة دون نتائج عسكرية، وذلك خلافا لما كان يحصل في الحوارات التي سبقت الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني عام 2015، أو في مساعي تأمين لقاءات بين الحوثيين والولايات المتحدة.

وعلى مدى فترة طويلة نسبيا لعبت سلطنة عمان دور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة بعدما قطعت الدولتان العلاقات في أعقاب ثورة 1979.

والتقى وزير الخارجية الإيراني بوزير الخارجية العُماني وبحثا التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وبينها وبين حماس في غزة.

وكتب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي على منصة إكس أن الوزيرين “تبادلا وجهات النظر حول الوضع الإقليمي الخطير” وأكدا “ضرورة وقف الإبادة الجماعية والاعتداءات الإسرائيلية في غزة ولبنان”.

وأجرى عراقجي كذلك مباحثات مع وزير المكتب السلطاني سلطان بن محمد النعماني، وبحثا “جرائم الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة ولبنان؛ مؤكدا أنها السبب الرئيسي للفوضى وانعدام الأمن في المنطقة”، وفقا لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا).

وفي ظل التطورات داخل غزة ولبنان اعتبر عراقجي والنعماني أن ظروفا خطيرة تسود المنطقة حاليا، وأكدا على ضرورة تكثيف الجهود للحيلولة دون فرض الحروب والفوضى على المنطقة.

وقالت وكالة مهر الإيرانية إن “عراقجي استقبل في مسقط رئيس الوفد الحوثي المفاوض محمد عبدالسلام”.

وطالب عراقجي من القيادي الحوثي دعم الحوثيين لحزب الله اللبناني. وأفادت الوكالة الإيرانية بأن عراقجي بحث مع القيادي الحوثي تطورات الأوضاع في لبنان وفلسطين و”سبل مساعدة الشعبين الفلسطيني واللبناني أمام جرائم الكيان الصهيوني”.