> أحمد الأغبري:

إن الأزمة اليمنية بقدر ما فيها من تعقيد ببعديه الإقليمي والدولي تبدو حلولها الواقعية قريبة ومتاحة من خلال تماهي اليمنيين مع مشكلتهم، وتجاوزها من خلال تنازل صادق وحوار شجاع.

صنعاء ـ 17 نوفمبر 2024 «القدس العربي»: خلال محادثاته الأخيرة في مسقط والرياض الأسبوع الماضي، أكد المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس جروندبرج، أولوية حلحلة الأزمة الاقتصادية القائمة بين طرفي النزاع، متحدثًا أيضًا، عن أهمية التنفيذ الحقيقي والفعلي لاتفاق يوليو. ذلك يضعنا أمام أسئلة ذات أولوية أيضًا تتعلق بمدى أولوية الأزمة الاقتصادية في مسار الاتجاه نحو بدء عملية سياسية في البلد، الذي يشهد حربًا على السلطة والثروة منذ عشر سنوات.

هل يمكن البدء بعملية سياسية من دون معالجات اقتصادية جذرية تنهي الانقسام المصرفي والنقدي، لاسيما وأن معظم بنود المرحلتين الأولى والثانية في خريطة طريق السلام تعتمد في المقام الأول على وحدة مصرفية ونقدية أم 
أن المسألة متداخلة في أولوياتها وحلها متكامل؟ ولماذا لم يستطع الطرفان التوافق على إيجاد معالجات اقتصادية تمس في المقام الأول معيشة الناس؟

قبل الاسترسال في مناقشة هذه الأسئلة ينبغي التأكيد على أن الأزمة اليمنية بقدر ما فيها من تعقيد ببعديه الإقليمي والدولي تبدو حلولها الواقعية قريبة ومتاحة من خلال تماهي اليمنيين مع مشكلتهم، وتجاوزها من خلال تنازل صادق وحوار شجاع، يستعيدون من خلاله قرارهم وسيادتهم على بلدهم، ومصلحة شعبهم ومستقبله القائم على مبادئ وقواعد الدولة المدنية الحديثة.
  • قرارات شجاعة
يعتقد أمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني (يسار) عبدالله عوبل، بأولوية الأزمة الاقتصادية على ما عداها من قضايا الحرب والأزمة اليمنية عمومًا، في ظل حالة اللاسلم واللاحرب الحالية، معتبرًا «أن وجود بنكين وحكومتين قد ضاعف الأزمة ومعاناة المواطنين، وأوصلهم الحال إلى المجاعة، التي تشمل الآن جزءًا كبيرًا من السكان» مؤكدًا أن الطريق إلى تسوية وسلام عادل يمر عبر الاقتصاد.

ويقول لـ «القدس العربي»: «إن عشر سنوات من الحرب قد أثرت كثيرًا على حياة الناس، وأوصلتهم إلى وضع لا يطاق، وربما قريبًا يحدث انفجار لا تحسب له سلطتا صنعاء وعدن حساب».

وأضاف: «المبعوث الأممي محق، إذ لابد من وجود حلول عاجلة لتلافي الخطر الداهم جراء هبوط سعر الريال اليمني مقابل الدولار، وما يترتب على ذلك من غلاء المعيشة، الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة. كما أن وجود مصرفين له دور في واقع المجاعات الحالية. إن فارق سعر الصرف المهول يمنع تحويلات رواتب الموظفين من الحكومة الشرعية، بسبب زيادة عمولة شركات الصرافة التي بلغت ثلاث مئة في المئة، هذا، أيضًا، يحرم الأسر التي تحت سيطرة أنصار الله (الحوثيون) من التحويلات الداخلية. أما مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا فقد بلغ مستوى الغلاء حدا أن راتب الموظف لا يكفي عائلته لشراء مادة الدقيق فقط».

ويعتقد عوبل أن «معالجة الانقسام النقدي غير المبرر وغير المنطقي وزيادة سعر الصرف هما قضيتان تستحقان معالجة سريعة واتخاذ قرارات شجاعة لتخفيف معاناة الناس، كل القضايا الأخرى المرتبطة بالحرب مهمة، ولكن الطريق إلى تسوية وسلام عادل يمر عبر البوابة الاقتصادية».

وعزا صعوبة التوافق على إيجاد معالجات اقتصادية إلى أن «هذه الحرب قد أفرزت فئات غنية غناها فاحش يصل إلى درجة مصادرة ايرادات الدولة بالكامل وإيداعها في حسابات خاصة في بنوك غير البنك المركزي. وتكونت شبكة مصالح واقتصاد حرب، وفساد غير مسبوق في الطرفين. فهذا الوضع مريح لهذه السلطات، وأصبحت كل محاولة للإصلاح واستعادة بناء المؤسسات واحترام القانون تعيق شبكة المصالح تلك. استمرار الفوضى ونهب أموال الدولة وزيادة الجبايات غير القانونية كلها سمات اقتصاد الحرب وحكم قوى الفساد».
  • اقتصادات مجزأة
فيما يرى الصحافي الاقتصادي، عبد الحميد المساجدي، أن الاقتصاد والحرب والسياسة متصلة ببعضها، معتقدًا بصعوبة توحيد الاقتصاد بدون حل المسائل الأمنية والسياسية والعسكرية، مؤكدًا أن الملف اليمني متكامل بالنظر لفحوى الحل.

ويقول لـ «القدس العربي»: «إن الصراع في أحد جوانبه هو صراع ونزاع من أجل السيطرة على الثروة، وما أفرزته الحرب في اليمن من مناطق سيطرة مختلفة واقتصادات منفصلة عن بعضها بشكل كامل يجعل من الصعوبة الحديث عن إعادة توحيد الاقتصاد بدون حل المسائل الأمنية والسياسية والعسكرية، كون هذه الموارد الاقتصادية في مختلف مناطق الصراع هي بمثابة الوقود الذي يحفز على استمرار سيطرة هذه المكونات والجماعات المسلحة في مختلف مناطق البلد».

وأضاف: «أعتقد أن الحديث الآن عن أولوية في الملف الاقتصادي هو حديث للاستهلاك الإعلامي وغير قابل للتطبيق على أرض الواقع، والمحطات والأحداث أثبتت ذلك سواء اتفاق ستوكهولم (2018) أو جميع التفاهمات التي جاءت بعد ذلك، أو حتى إعلان المبعوث الأممي في تموز عن اتفاق بين الحكومه وجماعة أنصار الله (الحوثيون) والذي تضمن الحديث على إعادة توحيد القطاع المصرفي والسياسة النقدية، بالإضافة إلى حل مشكله الخطوط الجوية اليمنية، وقد كان بمثابة اتفاق لنزع فتيل التوتر أو عوده الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل قرارات البنك المركزي. وقد مضى حتى الآن أكثر من أربعة أو خمسة شهور على هذا الاتفاق المعلن، ولم يأت بجديد، ولن يكون هناك جديد».

وأردف موضحًا: «لأنه في كل الأحوال الصراع على الثروة لم يعد بين طرفي الحوثي والشرعية فقط، الآن هناك صراع على الثروة حتى ما بين المكونات المنضوية تحت إطار الشرعية، هناك ما هو بمثابة انفصال اقتصادات مجزأة. ما بين حضرموت، ما بين مأرب، ما بين عدن، هناك ثروات وجبايات خارج الخزينة العامة للدولة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن وجود اقتصادين يمكن أو يسهل إعادة توحيدهما. ما يجمع المناطق المنضوية تحت الحكومة الشرعية هو وجود عملة واحدة، وتنتظر هذه المكونات بنك عدن ليمولها بينما هي تستأثر بمواردها المالية. إذًا الحديث عن مسألة تأجيل الفشل والانهيار الاقتصادي إلى حين الوصول إلى تسوية اقتصادية أعتقد أنه مجرد شماعة لإعفاء أطراف الصراع من مسؤولياتهم تجاه المواطنين. أعتقد أن الملف هو ملف متكامل والأمم المتحدة أو حتى المبعوث الأممي غير قادر على الوصول إلى تفاهمات اقتصاديه أو حتى إنسانية؛ لأنها تتحرك وفق نظرية الفعل ورد فعل، والأولى أن تُوضع الأطراف السياسية أو الأطراف المسلحة أمام الأمر الواقع لتتحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين، تجاه الوضع الاقتصادي في مناطق سيطرتها».
  • الأخطار الداهمة
وفي بيانها الصادر، الجمعة الماضية، أكدَّت جماعة «نداء السلام» أن «اليمنيين جميعهم، وفي مقدمتهم المكونات السياسية، مسؤولون عن مستقبل بلادهم. وهذه المسؤولية تفرض عليهم، أن يعملوا معاً على مواجهة الأخطار الداهمة، التي تحيط بهم وبوطنهم حاضراً، وتهدد مستقبل أجيالهم، تهديداً حقيقياً، وأن يتحلوا بالشجاعة والإرادة والحكمة في مواجهة أنفسهم، فيرتقوا إلى مستوى هذه المسؤولية، ويتنادوا إلى حوار وطني جامع، يضم كل المكونات السياسية بدون استثناء، يكون من أولوياته مناقشة القضايا الوطنية بروح إيجابية وإحساس وطني صادق، مناقشة تفضي إلى إخراج بلدهم من هذه المحنة التي يتخبط فيها منذ عقد من الزمن، وتضعه على طريق التعافي، وتعمل على إلغاء القرار الأممي الظالم، الذي قضى بوضع اليمن تحت البند السابع، لانتفاء مبرراته وسقوط ذرائعه بتصالح اليمنيين وتفاهمهم وتعايشهم وتعاونهم في بناء دولتهم المنشودة، دولة الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية والتبادل السلمي للسلطة، عبر صناديق الانتخابات».