> ​واشنطن "الأيام" العرب اللندنية:

ينوي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وفريقه إعداد مسودة أمر تنفيذي يقضي بإنشاء “مجلس محاربين” من كبار الضباط العسكريين المتقاعدين بهدف مراجعة المستوى الأعلى من الأدميرالات والجنرالات والتوصية بإقالة القادة الذين لا يتماشى أداؤهم مع توجهات ترامب، ما يثير تخوفا شديدا من إمكانية تحويل القوات المسلحة الأميركية إلى مؤسسة سياسية.

وتثير هذه الفرضية تساؤلات جدية حول التسييس المحتمل للقوات المسلحة لأن ترامب وعد خلال حملته الانتخابية بتطهير البنتاغون ممن سمّاهم “الجنرالات المستيقظين”، إضافة إلى ترشيحه – الذي أثار الجدل- مقدمَ البرامج على قناة “فوكس نيوز” بيت هيغسيث وزيرا للدفاع.

وستكون لترامب، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، السلطة القانونية لإقالة أي ضابط وفقا لتقديراته. وسيجد الرئيس المنتخب مسوغا لذلك في إقالة الرئيس الأسبق باراك أوباما الجنرال ستانلي ماكريستال، الذي كان يشرف على العملية العسكرية في أفغانستان، بعد أن انتقد ماكريستال الرئيس وكبار معاونيه في مقال نشرته مجلة “رولينغ ستون”.

وشملت الإقالات الأكثر شهرة طرد الرئيس الأسبق هاري ترومان للجنرال دوغلاس ماك آرثر، الذي كان يقود عملية الأمم المتحدة في الحرب الكورية، لانتقاده علنا إستراتيجية الرئيس الإقليمية.

لكن هذه الأمثلة قليلة ومتباعدة لأن الجيش الأميركي لا ينخرط في المسائل السياسية. ويُسمح بالطبع للذين يرتدون الزي العسكري باتباع معتقداتهم السياسية الخاصة. لكن من المفترض أن يلتزموا الصمت ولا يعبّروا علنا عن انتمائهم أو ميولهم السياسية الحزبية أو مواقفهم من القضايا السياسية الأخرى أثناء تحملهم مسؤولية عسكرية رسمية.

وساعد الفصل بين الجيش والبيت الأبيض على ضمان إبقاء القوات المسلحة بعيدة عن الفخ الذي شوهد في العديد من البلدان الأخرى حيث يصبح أولئك الذين يرتدون الزي العسكري موالين لحزب سياسي أو آخر، وما ينجر عن ذلك من نزاعات بين فصائل عسكرية وقادة سياسيين. ولا يعني هذا أن هذه السيناريوهات المتطرفة مرجحة في الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب الثانية.

ويحذر تقرير أعده مركز ستراتفور من أن فكرة إنشاء مجلس خارجي يقيّم كبار الضباط العسكريين ويكون منفصلا عن عملية المراجعة والترقية غير السياسية في وزارة الدفاع تفتح الباب أمام عملية ذات دوافع سياسية وتخضع لرغبات الرئيس.

وبينما يبقى مصير مسودة الأمر التنفيذي وخطط ترامب الأوسع للجيش غير واضح، من المهم التساؤل عن المخاوف مما إذا أصبحت القوات المسلحة الأميركية أكثر تسيسا حسب النمط الذي سيطرحه ترامب وحلفاؤه الرئيسيون على الطاولة.

وقبل أسبوع نقلت رويترز عن مصادر قولها إن أعضاء فريق ترامب يعدون قائمة بمسؤولين عسكريين من المزمع فصلهم، ومن المحتمل أن تشمل القائمة هيئة الأركان المشتركة.

ولم يتضح أيضا ما إذا كان ترامب نفسه سيصدق على الخطة، وذلك على الرغم من احتجاجه بشدة في السابق على قادة الدفاع الذين انتقدوه. وتحدث ترامب أيضا خلال الحملة عن فصل الجنرالات “التقدميين” الذين يركزون على العدالة العرقية والاجتماعية، وكذلك المسؤولين عن الانسحاب المضطرب من أفغانستان في 2021.

وإذا تأكد ترشيحه بيت هيغسيث، وهو ضابط سابق في الحرس الوطني الأميركي ومساهم حديث في قناة “فوكس نيوز”، لمنصب وزير الدفاع، فسيكون لترامب حليف أيديولوجي قوي ومسؤول عن البنتاغون. وسيكون بذلك قادرا على تشكيل الترقيات والسياسة في سلك القوات المسلحة بأكمله. ويعني هذا أن التحولات الكبرى ستتطلب من ترامب وهيغسيث توزيع الموالين على الكثير من المناصب في مختلف هياكل المؤسسة العسكرية.

ويمكن اتخاذ العديد من الخطوات إذا سعى ترامب وهيغسيث إلى ترك بصمتهما الأيديولوجية على الجيش. أولا، من المرجح أن يتقرر التخلي عن الجنرال تشارلز براون، رئيس هيئة الأركان المشتركة، وهو أكبر ضابط في القوات المسلحة بأكملها، أو تهميشه.

وتحدث براون علنا عن تجربته كرجل أسود يواجه الظلم العنصري في الجيش ويهدف إلى تنويع صفوفه. ويمكن انتقاده لتجاوزه حدوده، لكن لا توجد مؤشرات واضحة على أن جهوده أضرت بالاستعداد العسكري.

ومن شأن إقالته أن تمكن ترامب وهيغسيث من اختيار قائد يتناسب معهما أيديولوجيا. ومن المرجح أن يواجه كبار الضباط الآخرين، أسفل سلسلة القيادة، احتمال طردهم، أو الضغط عليهم للتقاعد أو الاستقالة، أو إعادة تعيينهم في مناصب أخرى.

وتشير تقارير وسائل الإعلام إلى أن هذه الخطط قيد الدراسة بالفعل. ورغم أن مجلس الشيوخ الأميركي يمتلك سلطة التحقق من الحزبية من خلال تمتعه بسلطة تأكيد الترقيات العسكرية، فإن تحكم الجمهوريين في المجلس والتفويض الهائل الذي فاز به ترامب سيجعلان التراجع الكبير أقل احتمالا.

ويحتمل أن تمتد خطط ترامب لإقالة أعداد كبيرة من موظفي الخدمة المدنية إلى وزارة الدفاع، التي توظف حوالي مليون مدني، مع توقع أن يشمل الفصل أولا أولئك الذين يشغلون مناصب مرتبطة أساسا بمبادرات التنوع والعدالة والاندماج في القوات المسلحة. وحتى لو لم تتم عمليات فصل جماعي، فإن مجرد مناقشتها يمكن أن يخلق تأثيرا مخيفا على الرتب المدنية والعسكرية النظامية.

ويمكن أن يمتد التسييس من الأفراد إلى تعديلات السياسة عبر القوات المسلحة. ويتمتع وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة بسلطة كبيرة لتشكيل السياسات المسلحة، بدءا من تعليم أطفال أولئك الذين يرتدون الزي العسكري ووصولا إلى حصول المجندين وعائلاتهم على الرعاية الصحية.

كما يمكن أن يؤثر الجيش الأكثر تسييسا على الأمن القومي الأميركي بطرق عديدة. ومن شأنه أن يخاطر بتقويض المشورة المقدمة للرئيس وغيره من صناع القرار الرئيسيين الذين يعتمدون على التوجيه المحايد في اتخاذ القرارات. ومع استمرار الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، ونشر الجيش الأميركي في بؤر عالمية أخرى، يمكن أن تكون المشورة المسيسة غير فعالة في أحسن الأحوال وقاتلة في أسوئها. وحتى لو لم يؤثر التسييس على مستويات الجيش العليا، فإنه من الممكن أن تتسرب آثاره إلى الأسفل، وتقوض التماسك داخل الوحدات.